مقالات مختارة

لا تستهينوا بالتوتر في الشارع العربي: اليكس فيشمان

 

إحصاء عدد المتظاهرين والمشاغبين في نقاط الاحتكاك في الشارع الفلسطيني، هو وهم بصري. فمحظور الوقوع في هذا الفخ وإعلان «احتواء الأحداث». فمستوى اللهيب في المواجهات في الشارع الفلسطيني في عام 2017 لا يُقاس بمقاييس انتفاضات الماضي. فالانتفاضة اليوم هي أساسا في الشبكات الاجتماعية وهي ساخنة وعاصفة، مثلما لم تكن منذ سنوات طوال ومنها يخرج الانتحاريون، المنفذون الأفراد للعمليات، الخلايا. كما أن هناك تطل إخطارات بالعمليات القريبة التي تلاحقها أذرع الأمن بشكل عبثي، وفي هذه الساعات بشكل أكثر كثافة من المعتاد .

إذا ما ظهر في أثناء الأيام القريبة المقبلة الأفراد المنفذون للعمليات ونجحوا في إيقاع ضحايا في الطرف الإسرائيلي، فإن الاشتعال في الميدان سيتلقى حجومًا أخرى. كما أن أوامر إطلاق النار لدى قوات الأمن التي تشددوا فيها في اليومين الأخيرين على ألا يقع ضحايا في الطرف الآخر ستتغير بناء على ذلك. ولا تزال الشرطة الفلسطينية اليوم تبذل جهودا، بنجاح جزئي، لمنع خروج المظاهرات من المدن الفلسطينية. هذا أيضا سينتهي إذا ما بدأت الجنازات الجماهيرية في الطرفين. لم ينته بعد أي شيء. وأمس انتقلت المواجهات الى وادي عارة أيضا، وهو تعاون عنيف بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، والذي هو وصفة لتعظيم النار. وفقط في نهاية الأسبوع المقبل سيكون ممكنا التقدير إذا كان القطار الذي بدأ يندفع من لحظة خطاب الرئيس ترامب يوم الأربعاء بدأ يتباطأ.

جهاز الأمن (المخابرات، الجيش، الشرطة، منسق أعمال المناطق) كان جاهزا جيدا لاستيعاب الموجة الحالية. وكان أساس الجهد إبطال بؤرة الانفجار في القدس، التي هي المشعل لباقي الساحات. نفذت اعتقالات مبكرة في أوساط محافل التنظيم في القدس، وكانت حوارات مع السلطة حول سلوك الزعماء الدينيين في المدينة ممن قادوا مظاهرات البوابات الإلكترونية في تموز الماضي، وأكثر من ذلك، اتخذ الجيش والشرطة قرارا حكيما وجريئا: عدم تقييد الوافدين الى الحرم لصلاة يوم الجمعة. وقد أثبت القرار نفسه. بالتوازي، فإن انتشار القوات الواسع ضَمِن أن يكون في كل نقطة احتكاك في الضفة وفي القدس تفوقًا عدديًا على المتظاهرين، بحيث لا تقع أوضاع تَعْلَق فيها قوات صغيرة من الجنود في ضائقة في مواجهة جمهور متظاهرين غاضب مثلما حصل في الماضي.

ويواصل مشعلو النيران كل الوقت، من خارج المناطق، لفظ النار في محاولة لإشعال الحرائق في الضفة. واحدة من مشعلي النار هؤلاء هي الجامعة العربية التي حتى قبل أن تنعقد أمس أصدرت بيانات تحريضية تدعو الى مواصلة الاحتجاج في الشارع ومواصلة الكفاح السياسي في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. وكان الأتراك هم أيضا مبادرين لانعقاد منظمة التعاون الإسلامية لفحص خطوات الاحتجاج والمقاومة لتصريح ترامب. ويمكن أن يكون لهذين المحفلين تأثير في مواصلة الاحتجاج الشعبي في العالم الإسلامي بدءًا بتركيا، عبر مخيمات اللاجئين في سورية ولبنان، مظاهرات في الأردن لا يريدها الملك الأردني، لكن لا يمكنه أن يعارضها، ويتواصل في مصر وينتهي بالدوائر البعيدة للعالم الإسلامي. إن الاجماع الذي خلقه خطاب ترامب حول موضوع القدس ليس دينيا فقط. فقد وحد العالم العربي هذه المرة حول موضوع وطني عربي. إن الموجة التي تجتاح الدول العربية حولنا هي موجة عربية عامة لم يشاهد لها مثيل هنا منذ عشرات السنين.

أما الهواء الأكثر سخونة فتنفثه بالذات دولتان غير عربيتين: تركيا وإيران. من ناحية اردوغان، فإن خطاب ترامب هدية حقيقية، إذ أن العناوين في تركيا تُعنى بالاقتصاد المتضعضع والتحقيقات في الفساد الكبير الجاري في الولايات المتحدة ضدَّ رب المال التركي المقرب من اردوغان، ما من شأنه أن يكلف تركيا عقوبات أمريكية على تبييض الأموال. أما بالنسبة للإيرانيين فهذا أمر طبيعي.

أبو مازن من جهته، أعلن ثلاثة أيام غضب، بنية السيطرة على النار، ولكن فتح التي يقف على رأسها أصدرت أمس منشورا دعت فيه الى أسبوع من الغضب، وطالبت بانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني ومظاهرات جماهيرية في أثناء انعقاد اجتماع الدول الإسلامية في تركيا في 13 من هذا الشهر وغيره. أما فقدان السيطرة من أجهزة الأمن على الشارع فكفيل أن يكون نقطة انتهاء لولاية أبي مازن. فالمظاهرات والاضطرابات تخدم من ناحيته هدفًا واحدًا: إذا ما، وعندما يعرض الامريكيون خطة للتسوية في المنطقة، سيتمتع الفلسطينيون بإنجازات مهمة على خلفية «الظلم» في موضوع القدس. وحاول وزير الخارجية الأمريكي تلرسون منذ الآن تخفيف حدة التصريح أمس في باريس، بقول على أسلوب التقليد الهزلي لدافيد بيتان: لم يحصل شيء، وإذا كان حصل، فماذا حصل. وبات الأمريكيون يشرحون اليوم أن خطاب ترامب يمكن أن يفسر في الاتجاهات كلها.

حماس تدعو بالفعل الى انتفاضة، وحدود غزة توجد اليوم مرة أخرى في نقطة تفجر يمكنها أن تُغيّر صورة الوضع الإقليمي في لحظة واحدة. فمظاهرات الفلسطينيين على جدار القطاع ليست مهمة، ولكن إطلاق الصواريخ التي وقع أحدها في سديروت هو اشتعال قوي للمواجهة. وهاجم الجيش الإسرائيلي ردا على ذلك أهدافا مع قليل من الضحايا نسبيا في الطرف الفلسطيني: مخزنين، نشيطين لانتاج الوسائل القتالية البحرية ولانتاج الصواريخ ومنشآت تدريب. جولة أخرى من الصواريخ على سديروت، وإذا بالجيش أيضا يرتفع درجة في الأهداف والثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون. إن الصراع بين الجهات التي تدفع نحو مواجهة واسعة والقوى التي لا تزال متوازنة لم يستقر. عنصر الزمن حاسم. كل يوم من الهدوء النسبي يصب الماء البارد وبالعكس.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى