ليبراسيون: قرار ترمب إفلاسٌ للمجتمع الدولي
خصصت أهم الصحف الفرنسية افتتاحياتها لهذا اليوم لشجب قرار تحويل السفارة الأميركية إلى القدس محذرة من تداعياته الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط، ومؤكدة أنه ينم عن جهل وغطرسة وازدراء للقانون والمجتمع الدوليين .
“فها نحن منذ الأربعاء الماضي نعيش إفلاسا للمجتمع الدولي بأسره” على حد تعبير صحيفة ليبراسيون، إذ دمر هذا القرار شرعية الولايات المتحدة كزعيم للغرب ووسيط مقبول لدى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، كما قضى على أية مصداقية لـ الأمم المتحدة وأوروبا اللتين لم تتمكنا أبدا من تقديم أي شيء لهذه القضية، اللهم إلا بعض “الرعاية التلطيفية“.
وفضلا عن هذا كله، كشف هذا القرار إفلاس القادة العرب الذين لم يهتموا أبدا بمصير الفلسطينيين رغم أن هذه القضية حاسمة لشعوبهم.
بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أضر -من حيث لا يعلم، وبشكل بليغ- بـ إسرائيل نفسها، إذ ستصبح بعبع العالم الإسلامي المعتدل، على حد تعبير الصحيفة.
لكن فوق كل هذا، تؤكد ليبراسيون أن الفلسطينيين هم المتضرر الأكبر من هذا الوضع الجديد، إذ يدخل ضمن “خطة لقتل مدبر للشعب الفلسطيني الذي يخسر عاما بعد عام المزيد من أراضيه وتاريخه وشبابه وإمكانياته وقدرته على الوصول إلى أماكنه المقدسة ومصادر طاقته ونفوذه الاقتصادي والثقافي، ناهيك عن مصداقية قياداته“.
والواقع أن ترمب “اختار إطلاق صاعقة في سماء ملبدة أصلا بالغيوم” وفق ما جاء بافتتاحية لوفيغارو، إذ إن ثمة إجماعا دوليا على خطورة هذه اللعبة.
وتضيف لوفيغارو بأن قرار النقل هذا أغضب المسلمين سنة وشيعة، ومنهم من ندد ومنهم من هدد، غير أنه كذلك أفزع بقية العالم من صينيين وروس وأوروبيين مما ترك ترمب في عزلة حقيقية.
فبقي “وحيدا في مواجهة الجميع” كما قالت لوموند في افتتاحيتها، بعد أن تجاهل جميع التحذيرات والطلبات، المهذبة منها والضاغطة.
وغدا واضحا -وفق الصحيفة- أن أميركا ترمب توثر اليوم التصرف منفردة، متجاهلة بذلك مشورة أقرب شركائها، وبذلك تكون قد “فككت نظام العلاقات الدولية الذي بنته بعد الحرب العالمية الثانية” بل إن إعلان ترمب بشأن القدس ببساطة “جريمة في حق الدبلوماسية كوسيلة لتسوية النزاعات“.
وهو ما اعتبرته لوموند ازدراء بالقانون الدولي “إذ كيف يجرؤ ترمب على إشعال فتيل القدس وبالتالي زيادة التوترات وإثارة أعمال عنف جديدة في منطقة على وشك الانفجار، دون الإعلان عن خططه لإحياء عملية السلام المتعثرة؟
والواضح أن القانون الدولي ليس ضمن ضوابط السياسة الخارجية الترمبية، بل إن ما يسترشد به ترمب هو هاجسه الكبير في القطيعة مع تاريخ سابقيه وما تمليه عليه سياساته الداخلية، أي “حرصه على إرضاء المسيحيين الإنجيليين واللوبيات المؤيدة لإسرائيل” على حد تعبير لوموند.
وليست هذه أول مرة يضرب فيها ترمب عرض الحائط بالتزامات بلاده الدولية، إذ انسحب من اليونسكو واتفاقية المناخ وغيرها، مما دفع الصحيفة إلى دعوة حلفاء واشنطن إلى إدراك حقيقة مفادها أن العالم قد دخل حقبة جديدة تستوجب الالتفاف على الإدارة الأميركية المتورطة في زعزعة المجتمع الدولي بشكل خطير.
فهذا “المزعزع الكبير” كما سمته لوفيغارو، يهدم ولا يبني، إذ حطم المدونات والرموز الدولية، دون أن يترك خلفه أي تشييد لا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولا في سوريا، ولا في ليبيا، ولا في كوريا، ولا مع روسيا، بل “لم يدفع الأشياء إلى الأمام بوصة واحدة“.
لكن على الديمقراطيين ومؤيدي السلام العادل والمتكافئ للجميع -وفق ليبراسيون- ألا يتخلوا عن مسؤولياتهم وأن يدركوا أن احتمال قيام دولة فلسطينية بدأ يتلاشى على المدى القصير والمتوسط، ولكن لا يمكن للمجتمع الدولي أن يذعن للأمر الواقع ويترك الحبل على الغارب لأعداء السلام.