بقلم ناصر قنديل

عيونُنا إلى القدس وعيون القدس إليك: ناصر قنديل

تكفّل القرار الرئاسي الأميركي بوضع القانون الصادر عن الكونغرس باعتبار «القدس مدينة موحّدة غير قابلة للتقسيم عاصمة لإسرائيل» بإنهاء مرحلة عمرها أربعة عقود على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي، عنوانه التفاوض طريق لنيل الحقوق وفي طليعتها القدس الشرقية، وللتفاوض شروط أوّلها إسقاط بندقية المقاومة وإنهاء عهود الاستقلال السياسي عن الهيمنة الغربية، والتخلّي عن كلّ توجه نحو الشرق بقطبيه روسيا والصين، والعداء لإيران التي رفعت منذ ذلك التاريخ، يوم ولدت ثورتها بالتزامن مع ولادة اتفاقيات «كامب ديفيد»، شعار اليوم إيران وغداً فلسطين. وللتفاوض شروط أهمّها خوض حروب «إسرائيل» بالوكالة عنها، ومنذ ذلك التاريخ تهوّدت القدس وضاعت معالمها، وسقطت مصر في قبضة «إسرائيل» سياسياً وقيّدت أمنياً، وسقط فيها مشروع الدولة الوطنية، وصارت السعودية سيدة القرار العربي، وصارت القواعد الأميركية على مساحة العالمين العربي والإسلامي، وانتشرت الفتن، والحروب الأهلية والداخلية، وها نحن اليوم من سورية إلى العراق إلى مصر إلى اليمن إلى ليبيا نشهد نتاج الحقبة الأميركية «الإسرائيلية» السعودية، وها هو الإرهاب الذي بدأ كأوّل استثمار لحساب الحروب الأميركية بالوكالة بشراكة إسلامية في أفغانستان ينهش لحمنا .

في قلب هذه الحقبة ولدت المقاومة التي يقودها اليوم السيد حسن نصرالله ويشكّل عنوانها، ونجحت بفضل العزم وصدق النية والإخلاص للخيار، وعدم الالتفات للخلف، وبفضل الدعم السوري والإيراني، تمكّنت من تحرير جنوب لبنان عام 2000، ولاحقاً من هزيمة العدوان «الإسرائيلي» في تموز 2006، وسارت فلسطين على الطريق فتحرّرت غزة عام 2005، وشكلت هذه المقاومة بعد ذلك القيمة المضافة في توازن ردع منع الحروب «الإسرائيلية» الأميركية، وفي تشكيل رأس الحربة للنصر على الإرهاب. وها هو القرار الأميركي حول القدس يُسدل الستار على خيار التفاوض ووهم القدرة على حماية القدس من التهويد واستعادتها عاصمة لدولة فلسطينية، ويسقط الحقبة التي شكل هذا الشعار عنوانها، وبقدر ما تتجه عيون الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين وأحرار العالم نحو القدس، تتجه نحو سيد المقاومة، فهذه حقبته وهذه حربه، ولم يبقَ في الساحة سواه.

المقاومة اليوم بقيادة السيد نصر الله قوة إقليمية مهيبة، وشريك في معادلات كبرى، ورمز لقوى شعبية وسياسية وعسكرية ممتدة عبر العالمين العربي والإسلامي، والقرار الأميركي يضعها أمام مسؤوليات صعبة في طبيعة القرار الاستراتيجي، هل تقدّم خطاب الوحدة الذي يدعو بعقلانية لمدّ اليد وبناء الجسور تحت شعار وقف الحروب البينية أملاً بالتوحد حول القدس، وتقديم لائحة مطالب متواضعة للنظامين العربي والإسلامي، فيتسنّى لها التمهيد لنهوض سياسي هادئ يراكم القوة لخط المقاومة، ويتيح فرصة هضم الانتصارات المحققة في سورية والعراق، ويتيح لهما النهوض والاستعداد للمرحلة الجديدة، ويمنح فرص لتسوية في اليمن، ولتعاون مصري جزائري تدعمه قوى المقاومة لإنهاء الحرب في ليبيا، ويحفظ للعلاقة مع روسيا معادلات تقدر على استيعابها ليُؤسَّس عليها بهدوء مزيداً من مصادر القوة، فتضيع لحظة الغضب أو تبرد، أم يستثمر لحظة الغضب ويرفع سقف الخطاب والموقف لحدّ الدعوة لإغلاق السفارات الأميركية واستهداف القواعد الأميركية في المنطقة، وتجريم الذين تعاونوا مع أميركا في حروبها ودمّروا المنطقة والسير بتدفيعهم فواتير ما فعلوا، وربما يؤدّي ذلك إلى مخاطرة بالمنجزات في سورية والعراق والعلاقة مع روسيا ومصر، ويأخذ المنطقة إلى استقطاب حادّ تقف فيه «إسرائيل» مع حلفائها وقوى المقاومة مع حلفائها في لحظة توازن رعب؟

– فلسطين وشرفاؤها كما كلّ أنصار خط المقاومة في المنطقة، ومعهم الأحرار في العالم ليس لديهم سوى أنت سيّد المقاومة ليتخذ القرار ويرسم وجهة البوصلة. وتلك هي اللحظة التاريخية لقرار مصيري سيرسم وجهة المنطقة وربما العالم كله، والكلّ ينتظر منك الجمع المبدع بين الخيارَيْن، خيار استثمار لحظة الغضب، لكنه يوظفها في سياق تراكم القوة وحماية المنجزات، وصولاً لبلوغ التوازن الحاسم اللازم لخوض الحرب التي يرسم خطتها وينتظر لحظتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى