تحليلات إسرائيلية: خطاب ترامب أجوف وأعلن دفن عملية السلام
إلى جانب التحليلات المرحبة بإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الصحف الإسرائيلية برزت تحليلات، ليست قليلة نسبيا، التي انتقد كتابها إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإيعازه بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. وتركزت هذه الانتقادات على أن تصريحات ترامب من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد أمني وسفك دماء إسرائيليين .
ولعل أبرز هذه الانتقادات ورد في مقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، الجنرال (في الاحتياط) غيورا آيلاند، في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، الذي وصف خطاب ترامب، أمس، بأنه “خطوة فارغة من مضمون، من جهة، وضارة جدا من الجهة الأخرى”. واعتبر أن ترامب كان حذرا في خطابه حيال “تعزيز مطلبنا بـ’القدس الموحدة’” وأن “مصلحة إسرائيل” لا تستدعي فرض حكم إسرائيل على “القدس الكبرى كلها”، لافتا إلى أنه “من الواضح أن أي اتفاق مستقبلي سيستند إلى خطوط العام 1967 مع تعديلات طفيفة، ما بين 2% – 3%”، وأن إسرائيل، في حال التوصل إلى اتفاق كهذا، ستنسحب من مناطق واسعة في القدس المحتلة بينها جبل المكبر ومخيم شعفاط وكفر عقب.
وأضاف آيلاند أنه “حتى من لديه رأي مختلف إزاء المصلحة الإسرائيلية، سيكتشف أن تأثير الخطاب على طبيعة الحل الدائم سيكون مهدوما”، مشيرا إلى خطاب ألقاه الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، عشية تنفيذ خطة الانفصال عن غزة، وألمح فيه إلى الاعتراف بأن الكتل الاستيطانية ستبقى جزءا من إسرائيل، لكن “هذا التصريح تلاشى مع مرور السنين ولم ترافقه أية خطوات”، بمعنى أن الولايات المتحدة لم تعترف بشرعية المستوطنات ولا بأنها جزء من إسرائيل.
ورأى آيلاند أنه “فيما الفائدة معدومة، فإن الضرر قد يكون هائلا”، مشيرا إلى “انتفاضة السكاكين”، التي بدأت في القدس، في تشرين الأول/أكتوبر 2015، وامتدت إلى الضفة الغربية وداخل “الخط الأخضر” وأدت إلى مقتل عشرات وإصابة مئات من الإسرائيليين في عمليات طعن ودهس، على خلفية الاقتحامات الاستفزازية للمستوطنين وزعمائهم للحرم القدسي. ووفقا لآيلاند، فإن “إعلان ترامب بنظر العرب هو استفزاز أكبر بما لا يقاس، ورد الفعل المتوقع ميدانيا سيكون بما يتلاءم مع ذلك“.
واضاف أن “إسرائيل تعمل حاليا بصورة غير معلنة من أجل تنسيق عملياتها مع الدول السنية المعتدلة. والإعلان الحالي يهدم بسهولة العلاقات التي نشأت بصبر، لأنه لا يوجد زعيم عربي يمكنه ألا يؤيد الغضب الفلسطيني في هذه الحالة”. كذلك لفت آيلاند إلى جانب آخر، وهو “رد الفعل المضاد المتوقع، إذا أراد الرئيس الأميركي العودة ليكون ’وسيط نزيه’، سيضطر إلى إيجاد طريق من أجل تعويض الفلسطينيين“.
وتابع آيلاند أن “الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو تقود فعليا منذ سنوات سياسة ’إدارة الصراع’ وليس مجهودا من أجل حل الصراع. ويوجد منطق كبير في سياسة الحفاظ على الموجود، والتي تعني الامتناع عن تغيير الستاتيكو (الوضع القائم). والعرب عموما، والفلسطينيون خصوصا، يعرفون كيفية احتواء هذه السياسة. لكن في كل مرة تُنفذ فيها خطوة أحادية الجانب، سواء من خلال تواجد سياسيين في جبل الهيكل (الحرم القدسي)، بوابات الكترونية عند مدخل (المسجد) الأقصى أو تصريح أميركي إشكالي نتيجة ضغط إسرائيلي، يُخرق فجأة التوازن الهش، الأمر الذي يقود لتفجر العنف. ما الهدف؟“.
وبحسب آيلاند، فإن “حل الدولتين يستند إلى أربع ركائز: الحدود الإقليمية للحل هي بين البحر والنهر؛ تسوية تلزم بإقامة دولة فلسطينية مستقلة؛ الضفة وغزة يجب أن تكونا كيانا سياسيا واحدا؛ الحدود المستقبلية بين الدولتين تستند إلى حدود 1967. من يريد البحث عن معادلة أخرى عليه أن يتحرر من أحد هذه الركائز على الأقل. وترامب لم يرمز إلى هذا الاتجاه. لذلك، في نهاية الأمر، كان هذا خطاب أجوف“.
واعتبر محلل الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس”، تسفي برئيل، أن “ترامب منح نتنياهو هدية لعيد الميلاد لا حاجة لها. اعتراف بمدينة من دون حدود متفق عليها، كتلك التي لم ولن تتم إزالتها عن طاولة المفاوضات وستكون خاضعة في المستقبل لموافقة الجانبين“.
وأضاف برئيل أنه “لا ينبغي المبالغة بالتأثر من التهديدات والتحذيرات القادمة من الدول العربية، الفلسطينيين ودول أوروبا. وعملية السلام لم تكن متعلقة في الماضي ولا الآن بمكانة القدس. وإذا حانت الساعة التي فيها ستوافق حكومة إسرائيل على إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين، والانسحاب من المناطق ورسم حدود وتقسيم القدس، فإن اعتراف ترامب لن يشكل عائقا. ومثلما أثبتت إسرائيل في الماضي، فإنها في القدس بالذات هي مستعدة للتنازل عن مناطق مليئة بالعرب“.
وفي أعقاب تعالي أصوات تقول إن اعتراف ترامب يحتم على إسرائيل منح المواطنة لقرابة 320 ألف فلسطيني، اعتبر برئيل أنه “لا ينبغي أيضا الذعر من أن مقدسيين فلسطينيين سيهرعون للمطالبة بمواطنة إسرائيلية. وستجد آلة التشريع الإسرائيلية حلا لذلك، مثل اشتراط الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية“.
وتابع برئيل أن “التخوف، كالمعتاد، هو من اندلاع انتفاضة، لكن هذا تخوف كاذب، أولا لأن الاعتراف بالقدس، رغم الاحتجاج، ليس الأمر المركزي الذي يشغل اليوم الفلسطينيين أو الدول العربية. وثانيا، وهذا هو الأساس، نحن نعرف كيف نقمع الانتفاضة“.
ومضى برئيل أن “معنى الاعتراف بالقدس هو تهشيم فعلي للوهم الذي بموجبه إذا تم فقط الاتفاق مع الفلسطينيين على حل قضايا الحل الدائم، وبينها حق العودة للاجئين، ترسيم الحدود، مكانة المستوطنات، وتقسيم القدس، سينتهي الصراع“.
وأردف أن “حل قضايا الحل الدائم متعلق قبل كل شيء بمسألة من يرأس حكومة إسرائيل وما هي دوافعه. وعندما لا تكون هناك إمكانية لاستبدال حكومة وإجراء مفاوضات حقيقية، يهربون نحو النقاش على قضايا الحل الدائم. ويتعامل اليمين واليسار (في إسرائيل) مع هذا الوهم منذ عشرات السنين وفيما هم يجرون مفاوضات وهمية بينهم وبين أنفسهم ومع الولايات المتحدة، ولكن ليس مع الفلسطينيين“.
وخلص برئيل إلى أن “ترامب، يجب الاعتراف، لم يقتل أمس عملية السلام. لقد وقف فوق قبر العملية، كشف عن صدره، وتفاخر بأنه تجرأ على الإعلان عن موتها، أي الاعتراف بالقدس، بينما أسلافه تسلوا فقط بخدع إحيائها“.