مسيحيو لبنان وحزب الله ليلى نقولا
في لبنان يتمتّع المسيحيون بوضع سياسي جيّد نوعاً ما، وصلاحيات كفلها لهم الدستور، فتشير الدراسات الإحصائية (التي أشرفت عليها) إن وضع المسيحي اللبناني بشكل عام لا يختلف عن وضع المسلم اللبناني وهواجسه وتطلّعاته، وأن الأسباب التي قد تدفعه للتفكير بالهجرة هي نفسها الأسباب التي تدفع جميع الشباب اللبناني للهجرة، أي الأزمة الاقتصادية والبحث عن فُرَص عمل بالدرجة الأولى، ثم تأتي الأسباب الأخرى كالقلق من الوضع الأمني والخطر الإرهابي وغيرها، عِلماً أن الغالبية العظمى من المسيحيين العرب أعربوا عن عدم رغبتهم بالرحيل أو الهجرة، كما أبدوا استعدادهم للدفاع عن أنفسهم وأرضهم في حال تعرّضهم للعدوان
.
منذ هجرة مسيحيي العراق على أثر الإطاحة بصدّام حسين واحتلال العراق وتهجير المسيحيين منه، انطلقت بقوة فكرة المؤتمرات والندوات البحثية التي تعالج موضوع المسيحيين في المشرق العربي وأوضاعهم وهجرتهم. وقد تكون غزوات داعش وتهجير السوريين بفعل الحرب المستمرة منذ ست سنوات ونيف، قد رفعت درجة الإنذار لدرجة أن البعض قد دقّ ناقوس الخطر في ما يخصّ وجود المسيحيين في المشرق برمّته خاصة بعدما تبيّن في بدايات الحرب السورية (عام 2011) وما كشفه الرئيس الفرنسي ساركوزي للبطريرك الماروني أن هناك فعلاً رغبة أوروبية بترحيل جماعي للمسيحيين إلى أوروبا من ضمن مشروع التغيير في الشرق الأوسط.
وتتضارب الآراء أحياناً بين الباحثين والمحلّلين السياسيين، فالبعض يعتبر أن هناك فعلاً ما يمكن أن نسمّيه “المسألة المسيحية في المشرق العربي” بينما ينظر البعض الآخر إلى أن ما يعانيه المسيحيون لا يختلف إطلاقاً عما يعانيه المسلمون في هذا المشرق من مشاكل اجتماعية واقتصادية، وإرهاب وقتل وتشريد وغيره، لذا فإن في الإضاءة على الوضع المسيحي فحسب هو تمييز غير مبرّر.
واقعياً وفعلياً، تصحّ النظريتان السابقتان حول الوضع المسيحي في المشرق العربي، فوضع المسيحي لا يختلف عن وضع المسلم في الشرق الأوسط من الناحية الاقتصادية والاجتماعية؛ لكن المشكلة تزداد حينما يكون الميزان العددي والوضع الأقلوي للمسيحيين في المشرق حافزاً للجماعات الإرهابية ولبعض القوى السياسية لاستهداف المسيحيين بالتحديد طمعاً في تغيير ديمغرافي وهويّاتي على مستوى المشرق برمّته.
أما في لبنان، حيث يتمتّع المسيحيون بوضع سياسي جيّد نوعاً ما، وصلاحيات كفلها لهم الدستور، فتشير الدراسات الإحصائية (التي أشرفت عليها) إن وضع المسيحي اللبناني بشكل عام لا يختلف عن وضع المسلم اللبناني وهواجسه وتطلّعاته، وأن الأسباب التي قد تدفعه للتفكير بالهجرة هي نفسها الأسباب التي تدفع جميع الشباب اللبناني للهجرة، أي الأزمة الاقتصادية والبحث عن فُرَص عمل بالدرجة الأولى، ثم تأتي الأسباب الأخرى كالقلق من الوضع الأمني والخطر الإرهابي وغيرها، عِلماً أن الغالبية العظمى من المسيحيين العرب أعربوا عن عدم رغبتهم بالرحيل أو الهجرة، كما أبدوا استعدادهم للدفاع عن أنفسهم وأرضهم في حال تعرّضهم للعدوان.
ولعلّ ما يثير الغبار وعدم وضوح الرؤية حول وضع المسيحيين في لبنان وهواجسهم هو التصريحات التي يطلقها بعض السياسيين ورجال الدين حول سلاح حزب الله وتدخّله في سوريا وميزان القوى الداخلي وغيرها؛ وفي هذا الإطار تشير الدراسات الإحصائية لوضع المسيحيين اللبنانيين أن موضوع حزب الله لا يأتي تلقائياً في الإجابات المفتوحة حول أسباب الهجرة أو حول الأخطار التي تتهدّد المسيحيين في لبنان، أو حول تردّي الوضع المسيحي بشكل عام، ولا تثير الغالبية العظمى من المُستطلعين المسيحيين مسألة حزب الله، إلا في إطار الإجابة عن سؤال بهذا الخصوص بالتحديد.
– لا يختلف المسيحيون بشكل عام حول دور حزب الله في مقاومة إسرائيل. أما بخصوص الإرهاب فإن فئة قليلة تعتبر أن تدخّل حزب الله في سوريا هو مَن استدرج الإرهابيين إلى لبنان. واللافت للنظر أنه وخلال محاولة فهم مقاربة هذه الفئة (الأقلوية ضمن المسيحيين) بالتحديد لمفهوم “الآخر”، تجد أن الآخر هو كل مختلف سياسياً وعقائدياً ودينياً الخ.. أي أنه حتى المسيحي اللبناني الذي لا يؤمن بنفس المبادئ التي تؤمن بها هذه الفئة أو الذي لا يتبنّى الخيارات السياسية لهؤلاء يوضع في فئة “الآخر”، وهو ما يفسّر “العصبية” الحزبية والدينية والسياسية التي يتمتّع بها هؤلاء والتي تصل إلى حدّ الحقد أحياناً.
وهكذا، يبدو أن حزب الله قد استطاع خلال عقد من الزمن أي منذ التفاهم الذي عقده مع التيار الوطني الحر ولغاية اليوم، أن يخرج من إطاره المجتمعي الى إطار لبناني أشمل، ساعدته في ذلك قدرته على ترسيخ تفاهماته مع الأطراف الآخرين محلياً، والشعور العام لدى اللبنانيين بعدم رغبة الحزب بتوظيف فائض القوّة التي يمتلكها في الإطار الداخلي اللبناني، بالإضافة إلى مواجهته للأخطار التي تهدّدت المجتمعات اللبنانية والسورية بعدما استفادت القوى الإرهابية التكفيرية من الفوضى الناتجة من الحرب السورية، بالرغم من اعتراض البعض “إعلامياً” على هذه المواجهة.
أما بخصوص مسيحيي المشرق، فقد أظهرت التجربة اللبنانية الأخيرة بعد الاستقالة المُلتبسة للرئيس سعد الحريري من السعودية، أن بإمكان المسيحي القيام بدور أكبر من حجمه العددي بكثير، ويبقى الأهم هو الخروج من دوّامة الأحقاد والتمييز الطائفي والمذهبي للوصول إلى المواطنة الحقّة التي تعطي كل إنسان حقّه بغضّ النظر عن دينه أو جنسه أو طائفته.