ابراهيم: بعض السلوك السياسي والاعلامي صار اقرب الى المغامرة
أكد المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في افتتاحية العدد 51 من مجلة “الامن العام”، لشهر كانون الاول 2017، انه يكفي ان يمعن اللبنانيون النظر مليا في احوال البلد ليتأكدوا من ان حاضرهم كما ماضيهم، وان مستقبلهم لن يكون غير ماض لا يريدونه هم ان يمضي، فالوقائع تثبت انه ما زال امام اللبنانيين الكثير من العمل والجهد ليبلغوا التطور السياسي. وما يشهد على انه مع كل ازمة وبعدها تتحول عناصرها الى سرديات ممزوجة باليأس والسخرية في آن، مشيرا الى ان اللافت ان قلة تبادر الى مراجعة جدية تحدد مكامن الخلل في البلد، وعدم ابقائه عرضة او ساحة لكل اشتباك سياسي اكان مصدره داخليا او خارجيا. وبالرغم من ادراك معظم المسؤولين اللبنانيين هذه الوقائع، فإن قلة تتحرك من اجل تعديل الواقع الضاغط للازمات، وايجاد الحلول لها في اتجاه ما هو افضل لمصلحة لبنان العليا بحيث تشكل منصة لبناء دولة بكل ما للكلمة من معنى” .
واضاف ابراهيم ان “الارتجاجات اللبنانية ليست حدثا جديدا. سياسة استنفار الشعور الطائفي هي في الدرجة الاولى اعلان لقرار ضرب الدولة والتفاعل الديموقراطي بين مختلف المكونات، اي ضرب النظام السياسي برمته. لكن جديد الارتجاجات اتساع حجمها وصلافة علانيتها وما تفضي اليه من اخطار حقيقية لا تبشر الا بالتراجع من سيء الى اسوأ، معتبرا ان اذا كان المبدأ يفرض التوقف عن الحفر عند السقوط في الحفرة، فالبعض في لبنان ـ ويا للاسف ـ لا يفعل غير الاستمرار في الحفر ما يزيد ازماتنا ومعضلاتنا تعقيدا“.
ورأى ان ما آل إليه الوضع يصح فيه القول ان بعض السلوك السياسي والاعلامي صار اقرب الى المغامرة والمقامرة. اما الاصرار على استهداف الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي الذي ساد البلد منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة “استعادة الثقة” وانطلاق المجلس النيابي في ورشة تشريعات كانت استثنائية بمفاعيلها، وحاولت تعويض شيئا مما فاتنا جميعا جراء الجمود السياسي لمدة سنتين، لم يكن إلا استهدافا مباشرا ومتعمدا للنظام السياسي الذي ارتضاه اللبنانيون ويتمسكون به إلى الآن.
واعتبر ان المؤسف والمحزن، لا بل المخيف، هو في وقوع اللبنانيين على حدين قاسيين هما:
اما التوجه بملء إرادتهم إلى خوض السياسة من باب الانقسام الذي كان دائما ما يجعل البلد قاصرا، وفي حاجة الى مساعدة ورعاية اقليمية او دولية او الى كليهما معا لمنع وقوعه في آتون الحروب.
واما الحد الثاني فيتمثل بتسويات سياسية يرتضونها بذريعة “خصوصية التركيبة اللبنانية“.
لكن ما ليس مفهوماً على الاطلاق، ولا يوجد ما يبرره في حال من الاحوال، هو اغفال واهمال مبدأ التمسك بالنظام والدستور بوصفهما الآليتين اللتين تصحان لاستيعاب الازمات وتطويقها، والتي يبقى امر تعرّض الدول لها قائما، وقد تكون سياسية او اقتصادية او بيئية او حتى امنية، لكن ذلك غالبا ما يكون استثناء عند الدول الراسخة والمتطورة. اما في الحالة اللبنانية فإن الاستثناء هو القاعدة. اي ان لبنان في حال دائمة ومستمرة مع الازمات، بينما الاستقرار هو الاستثناء. تاريخ لبنان، اقله الحديث، هو سلسلة من ازمات تتخللها مراحل قصيرة من الحلول الموقتة، ودائما بدا لبنان حيزا لتوليد الازمات يليها توترات تستدعي التدخلات الخارجية ثم تسويات، حتى صار العمل السياسي قرينا بالارتجال في معالجة الصراعات والتوترات.
وأكد ابراهيم انه اذا كان الامن يشترط مهارة المولجين به، فهذا لا يلغي حقيقة انه حاصل ونتيجة للاداء السياسي ليشكلا معا ـ اي الامن والسياسة ـ قاعدة للبناء الاقتصادي الذي يعبر عن متانة الدولة. لكن هذا الثالوث بوضعه الراهن لا يشي بخير قريب اذا ما استمر اللبنانيون، مواطنين وسياسيين، على ما هم عليه، وعلى ما كانوا عليه سابقا، لأن ذلك يعني ان ما ينتظرنا مستقبلا هو ما شهدناه وخبرناه ماضيا ونعيشه حاضرا. فالوطنية ليست إدعاء يستعين بالحجج السياسية ليكتسب شرعية تسعير الخلافات والمشكلات لتحويلها الى ازمات. ولا هي تعصبا اهوج يولد انعزالا وشرانق تتقوقع، بالقدر التي ينبغي ان تكون فيه انعكاسا للمواطنة بكل ما فيها من حقوق وواجبات ولمنظومة قيم اخلاقية وسياسية تعبّر عن التزام الدولة وسلامتها وامنها وازدهارها، ومن خلال التمسك بالوحدة في اطار التنوع الديموقراطي والسلمي، وعلى ان تكون اتحادا اختياريا بين المجموعات الواثقة من وحدتها، تكسبها نموا يعزز مكانتها ووجودها، مع وعيها الثابت والراسخ باصرارها على ان لبنان يستحق الكف عن استخدام مقولة “الهواجس” التي استخدمها الجميع ومن دون استثناء.