مقتل صالح والتحديات الجديدة
غالب قنديل
اعتبر الرئيس الراحل علي عبد الله صالح طيلة العقود الماضية نموذجا للدهاء السياسي وللتكيف مع التحولات الداخلية والخارجية وبدا خلال الأسابيع الأخيرة من حياته وقد خانته الفطنة وغابت عنه القدرة التي ميزته في السابق لالتقاط الفرص المناسبة والتعرف إليها.
وقع صالح في غواية الحفرة السعودية مرة جديدة متناسيا ما لقيه فيها رغم عشرات السنين من الانسجام والولاء في خضوعه للمشيئة الأميركية السعودية خلال توليه الرئاسة اليمنية فالانقلاب الفعلي الذي تعرض له الرئيس اليمني قبل سنوات كان انقلابا سعوديا قطريا أميركيا كاد يودي بحياته وهو استهدف إزاحة الرئيس لاستباحة البلاد وإغراقها بالفوضى والخراب الشامل عبر تمكين الأخوان المسلمين من حكم اليمن عملا يتوجيهات الخطة الأميركية التي عرفت بالربيع العربي.
تحالف الرئيس صالح وحزبه مع حركة انصار الله في مقاومة العدوان الأميركي السعودي على البلاد كان فرصة تاريخية لتجديد زعامته الشعبية وتأكيد مكانته في الحياة الوطنية وبغض النظر عن الصعوبات والمنغصات المتراكمة في فضاء العلاقة بين الطرفين وذاكرتها المشحونة بدماء الضحايا خلال رئاسة صالح التي سجل فيها موجات متلاحقة من حملات القمع والتصفية ضد شركائه المستجدين إلا ان انصار الله بذلوا جهدا صادقا وأمينا لتثبيت التحالف ولتعميق جذوره وكانت التفاهمات السياسية الأخيرة بين الجانبين وما رتبته من خطوات جبهوية مشتركة سبيلا لتعزيز مقومات الصمود اليمني ضد العدوان الهمجي الذي استهدف البلاد وأورث أصعب المحن من خلال الحصار والمجاعة.
تبين ان الرئيس صالح قد خانته فطنته عندما وقع في الغواية السعودية مجددا فأذاع بيانه الأخير الذي كان إيذانا بانقلاب شامل على الشركاء وخطبا لود حلف العدوان بعبارات صريحة وربما كما يظن البعض جاء ذلك وفقا لسيناريو رتب معه سرا وتضمن وعودا وتعهدات لم ينفذ منها شيء عندما ترك صالح وحيدا بعد توريطه ليلاقي مصيره في العراء فلا حملات جوية ولا حملات برية لتغيير اتجاه الدفة ودفع الرئيس السابق حياته ثمنا لهذه الخيبة الفاضحة والغادر الحقيقي بحقه هو الجهة التي ورطته بما قاله وفعله ثم تخلت عنه..
التعقيدات التي تتركها الأحداث اليمنية مضاعفة وأشد خطورة ويبدو ان حلف العدوان جهز نفسه للتلاعب بدماء صالح ولاستعمالها في استحداث شرخ يمني عميق يراد توظيفه لصالح حلف العدوان فما عجزوا عن تحقيقه بإخضاع الرئيس الراحل للمشية الأميركية السعودية سيحاولون بلوغه باستثمار دمائه التي يحملون مسؤولية المقامرة بإهدارها عبر وعود كاذبة.
التصدي للعدوان يجب ان يبقى اولوية حاسمة وعنوانا للم الشمل اليمني ورص الصفوف من جديد وخصوصا من خلال التواصل المستمر بين حركة انصار الله والقيادات الوطنية في المؤتمر التي رفضت مسايرة انقلاب الرئيس الراحل وأبت السير في ركابه.
المرحلة الجديدة تستدعي من أنصار الله ومن السيد الحوثي بالذات مرونة عالية في التعامل الاحتوائي مع سائر القوى الوطنية اليمنية المتصدية للعدوان إلى جانب اليقظة العالية ضد أي تحركات محتملة للعب على التعارضات والتباينات اليمنية خصوصا داخل جمهور المؤتمر وفي هياكل المؤسسة العسكرية الوطنية حيث تتجه سهام التحريض السعودي المسموم لتفكيك جبهة الدفاع عن اليمن.
لقد قتل الغدر السعودي الرئيس صالح وهو يتربص باليمن لفرض الهيمنة على هذا البلد بعد التدمير والحصار والتجويع والمطلوب هو اوسع جبهة وطنية ضد العدوان الذي تحول إلى مستنقع للملكة السعودية وفضيحة دولية مدوية نتيجة هول الجرائم المرتكبة ضد الشعب اليمني وضد اطفال اليمن وبعد فشل الانقلاب السعودي الذي أريد منه مبادلة تخفيف الحصار بحمام دم داخلي كبير لا سبيل سوى ترسيخ الوحدة الداخلية بالصبر والحكمة وبالحزم في الفرز السياسي على اولية دحر العدوان الأميركي السعودي.