شهوات الحروب المردوعة
غالب قنديل
في اماكن كثيرة من ساحات العالم المشتعلة تتلهف قوى الغطرسة الإمبريالية الصهيونية على شن حروب كبرى وتلوح بها جديا في وجه الشعوب والحكومات الحرة التي تقاوم نهج العدوان والهيمنة الذي رسخته الولايات المتحدة الأميركية خلال العقدين الماضيين من القرن الواحد والعشرين.
يمكن اختصار اشتهاء الحروب بالطريقة الاختزالية التي صورها ديفيد هيرست في حديثه عن الحروب الكبرى المشتهاة في المنطقة العربية حيث تدفع إلى طريق المغامرة والتصعيد ثلاث جهات هي الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والمملكة السعودية ويصح الأمر في معاينة الوضع الدولي برمته.
هذه الجهات الثلاث فجعتها التطورات والأحداث بجلب نتائج معاكسة لرغباتها وهي تتأمل مسار نفوذها المتراجع وقوتها المتهالكة المتآكلة سياسيا واقتصاديا وتريد العودة بعقارب الساعة إلى الوراء بأي ثمن وتغلب عليها استماتة صارخة في هذا الطريق الانتحاري بعد كل ما جرى.
حزب الحرب الأميركي يتوق إلى تدمير القدرات العسكرية الكورية بوصفه تقليما لمخالب الصين وروسيا وعملا ردعيا استباقيا موجها إلى موسكو وبكين اللتين يرجع إليهما خبراء البنتاغون مسؤولية نقل التكنولوجيا إلى كوريا الشمالية منذ ما يزيد على ستين عاما وهم يجاهرون باعتبار كل من موسكو وبكين جهة حاضنة وداعمة لكوريا الشمالية ضد الحصار الأميركي المشدد والمتزايد منذ عقود في ظل التربص الأميركي الدائم يتكرر التهديد بحرب ضد بيونغ يانغ ستكون نووية من لحظتها الأولى وستحمل كارثة جديدة للبشرية ويخشى بعض الخبراء الأميركيين ان يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمثل هذه المغامرة التي قد تحرق بلاده برد نووي مرعب وباتت روايات كثيرة ترجح تهور ترامب هربا من مسلسل التحقيقات والفضائح الذي يتناوله شخصيا مع محيطه العائلي.
اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يضغط لخوض حرب شاملة ضد إيران وبالشراكة مع مجموعات ضغط سعودية تغرقها الهبات والعطايا والصفقات من فريق ولي العهد الطموح والمستعجل وهذه المجموعة السعودية الصهيونية تريد ضرب إيران والقضاء على محور المقاومة في المنطقة لتمكين الحلف السعودي الصهيوني وهي تشتهي حربا شاملة تدمر المحور بضرب سورية ولبنان والعراق وإيران واليمن لبسط السيطرة على المنطقة وإخماد كل بؤر الاعتراض والمقاومة المانعة.
الشهوات الأميركية الصهيونية السعودية للحروب تواجه عقدا صعبة ومكلفة لأن الدول المستهدفة تملك قدرات دفاعية فعلية وتشبك تحالفات استعصى الرهان على تفكيكها والنيل من ثباتها وقوتها ومجددا يبرز حلف الشرق الروسي الصيني مع إيران وسورية ومحور المقاومة بالمعنى الأشمل.
الحرائق الكارثية الكبرى التي تراود مراكز التخطيط تورد سيناريوهات مواجهة كونية كبرى لا توفر الصين وروسيا نفسيهما ولكن الوقائع تقول إن توازن الرعب والردع واكلاف المغامرات بينت فاعليتها خلال القرن العشرين وان زوال الهيمنة الأحادية التي تتراجع سيفرض قواعد جديدة في العلاقات الدولية تغلب عليها سمات المنافسة والحرب الباردة بينما شهوات الحروب مردوعة ومقموعة بحسابات غرف القيادة والعمليات التي تحرك جنرالاتها في البنتاغون نحو البيت الأبيض ومن هناك جرى ردع الهياج الصهيوني والسعودي ويجري ضبطه بتدخل غربي مباشر كما حصل عبر التنسيق الأميركي الفرنسي لمنع تفجير الوضع اللبناني باستقالة الرئيس الحريري القسرية.
العربدة السعودية الصهيونية تنطوي على خطر توريط المعسكر الغربي المتصدع في حروب يجدها الخبراء والجنرالات محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج ولكن التهويل المتسارع بكثافة يبدو احد ادوات الضغط والتأثير السياسي على إرادة قوى التحرر في المنطقة بينما يجري العمل لتمرير صفقات وصيغ جديدة في سياق المحاولات المتكررة لتصفية قضية فلسطين وإدامة الهيمنة الصهيونية مع تبلور انتصار محور المقاومة بالتحالف مع روسيا والصين على حروب الوكالة التي قادتها الولايات المتحدة خلال السنوات المنصرمة واستخدمت فيها جيوش المرتزقة وعصابات الإرهاب.
الردع يحاصر شهوات الحروب في واشنطن وتل أبيب والرياض وطريق الشعوب لحماية السلم هو تثبيت ادوات الردع وتعزيزها والتمسك بها والأولوية يجب ان تعطى لانتقال روسيا والصين وإيران إلى مرحلة العمل لتعديل آليات القرار داخل الأمم المتحدة لفرض كوابح جدية ضد مغامرات الحروب العدوانية ولمنع استعمال المؤسسة الدولية ستارا لشن الحروب بعدما جرى في العراق وأفغانستان وحتى لا يتكرر عار العدوان بتغطية مجلس الأمن او بصمته المطبق في أي بقعة جديدة من العالم وهذا يفترض بمناهضي الهيمنة ان ينتقلوا من نهج التعطيل إلى المبادرة الفعلية لحماية السلم العالمي من اخطار شهوات الحروب ومن مشعليها.