حول الفلتان الإعلامي
غالب قنديل
عطل النظام السياسي اللبناني آليات تطبيق قانون الإعلام المرئي والمسموع وقد حاصر المرجعية الناظمة المستقلة التي احدثت منذ عام 1996 عملا بالقانون 382/ 94 وهي حتى تاريخه لم تستطع إقناع أي من وزراء الإعلام المتعاقبين بأن يضع بتصرفها الجهاز التقني والكادر البشري الذي يمكنها بواسطته تحقيق متابعة مستمرة لما تبثه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة المرخصة ومع كل مبادرة اتخذها المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في متابعة الخروقات والمخالفات الكثيرة خلال السنوات الماضية كانت السلطة السياسية في موقع اللاجم والكابح وقدمت الحماية للمخالفين.
كان المجلس الوطني للإعلام يستعين لمواجهة الحصار بحرمانه من التجهيزات والكادر الفني بعقود خدمات على نفقته مع شركات خاصة للحصول على تسجيلات البرامج ولإصدار تقارير دورية عن الأداء الإعلامي ولنشرها الذي أزعج مرتكبي المخالفات فطاردته عمليات تقليص الموازنة التي ما تزال تدرج بندا بصفة مساهمة من وزارة الإعلام وآخر مفردات الحصار استثناء المجلس من مفاعيل سلسلة الرتب والرواتب وقد باتت تعويضات اعضائه تعادل رواتب موظفي الفئة الرابعة على العكس من جميع المجالس والهيئات الموازية في هيكلية الدولة اللبنانية التي يحظى بعضها بتعويضات خيالية علما ان القانون يمنع اعضاء مجلس الإعلام من ممارسة أي عمل يتعارض مع مهامهم خلال انتدابهم للعضوية.
يسود مناخ من الفوضى والارتجال والتحكم بالممارسة الإعلامية التي ترتبط بمال سياسي خارجي وداخلي يسيطر عليها اكثر فأكثر بسبب إباحة السلطة لمنافسة غير مشروعة ومزمنة قلصت الموارد الإعلانية من خلال شبكات الكابل غير الشرعية وغير المرخصة والمتفلتة من أي ضوابط مضمونا وتقنيا.
وعاء التمادي في هذه التشوهات ومصدرها هو تعطيل الخطة الوطنية للانتقال إلى البث الرقمي الأرضي التي صدرت عن الحكومة منذ خمس سنوات وتمت عرقلتها عمدا لصالح مافيا الكابلات التي تحولت إلى شركات خاصة مشبوكة بمصالح مالية ومصرفية مع تجمعات خليجية ومع عملاق الأنترنت غوغل واندمجت بعض القنوات المحلية في هذا التجمع الاحتكاري بدافع الهيمنة على كعكة البث الرقمي الأرضي وحرمان الدولة والتلفزيون العام من العائدات الضخمة المتوقعة لسوق الخدمات التلفزيونية الجديدة ومنها الفيديو تحت الطلب وغيره مما يعرف بالتلفزيون التفاعلي.
هذا التجمع الاحتكاري يسعى للمزيد من تجاوز القوانين وهو يركز نيرانه على المجلس الوطني للإعلام وقد سرب إلى بعض الجهات اقتراحات تلغي دور المجلس وتنوب عن التشريعات والقوانين بآليات تنفيذية عبر وزارتي الإعلام والاتصالات لتكريس مصالحه وهيمنته ولإدامة فلتان المحتوى الذي يلائم المصالح السياسية للشركاء المحتملين وللداعمين من الخارج تحت يافطة حرية التعبير.
هذه الحرب الخفية على مجلس الإعلام تهدف لتكريس الفلتان السياسي الذي تحولت معه بعض القنوات إلى ممارسة ابتزاز مكشوف ضد المرجعيات العليا في الدولة عبر حملات منظمة وعلى الرغم من ان مداخلات المجلس لم تتخط حدود المناشدة لأن طريق توصياته بالمحاسبة قد تم سده تاريخيا من قبل الحكومات التي حاذرت التصدي الواضح لمخالفات فاضحة تتعلق بإثارة النعرات وبترويج الخطاب التكفيري ومطلقيه وبتورط العديد من منصات الإعلام اللبناني في ترويج التطبيع مع العدو وفي دعم التجمعات الإرهابية جهارا وقد نعت بعض رؤساء الحكومات خلال السنوات الأخيرة مبادرات المجلس وتقاريره وآراءه بالتطرف وناشدوا المجلس “تهدئة البال” وبادروا إلى استرضاء مؤسسات مارست انتهاكات صارخة للقانون استعرضها المجلس في تقارير موثقة لمضمون ما جرى بثه في اكثر من مناسبة محفوفة بمخاطر تفجير اكثر من فتنة داخلية قد تحرق الأخضر واليابس ولدرجة ان إعلاميا ارتكب مخالفات تحريضية جسيمة تحث على الفتنة من خلال إحدى حلقات برنامجه السياسي كان يكرم في السراي الحكومي وفي مكتب رئيس مجلس الوزراء بعد يومين من رفع المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع لتقريره عن الحلقة الفتنة وكأنما أراد رئيس الحكومة الأسبق الرد على المجلس وتحصين المخالفة ومرتكبيها وقد شجع بذلك تمادي الإعلامي والمؤسسة التي يعمل فيها بارتكاب المخالفات.
التفجع على حرية الإعلام هو الابتزاز الجاهز للتستر على الانتهاكات لأن تطبيق القانون لم يتحول إلى آلية دائمة ومنتظمة بصورة هادئة وسلسة وهذا امر ليس مستحيلا لكنه يقتضي قرارا على صعيد مجلس الوزراء برفع الحمايات عن المخالفات الإعلامية وتفويضا وتمكينا للمجلس الوطني للإعلام لمتابعة الأداء الإعلامي مهنيا وقانونيا وإبداء رأيه من غير تدخلات سياسية وفقا لأحكام القانون ولا بد من إطلاق خطة الانتقال إلى البث الرقمي الأرضي ومنع وضع اليد على السوق التلفزيوني الرقمي من قبل أي تجمعات احتكارية هي المتربص الفعلي بالحرية الإعلامية فواجب الدولة هو حماية المنافسة الحرة والمتكافئة وحماية الحق العام للدولة وللوطن والمواطن معا.