مقالات مختارة

التاريخ في تشكيلة جديدة: تسفيا غرينفيلد

 

قبل نحو أسبوع دعا الرئيس الروسي بوتين بشار الأسد، وبعد ذلك الرئيسين الإيراني والتركي إلى مدينة سوتشي لإبلاغهم ماذا ستكون ترتيبات الحكم في سورية. الاستنتاج كما يبدو هو أن دونالد ترامب يواصل سياسة سلفه ويترك الشرق الأوسط و»مصالح إسرائيل» لتعسف بوتين. ولكن أحداثا وقعت مؤخرا تظهر إمكانية أخرى ـ أن هناك الآن انعطافة سياسية دُولية هي الأهم منذ الحرب الباردة .

ترامب وبوتين يتصرفان كأنهما يقسمان مناطق سيطرتهما. ليس وفقا لخطوط أيديولوجية، بل حسب مصالح اقتصادية فقط. ترامب كما هو معروف، يعتبر نفسه قبل كل شيء رجل أعمال. فمنذ المناظرات العلنية مع هيلاري كلينتون قال إنه يسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع بوتين، ولم يتعامل أحد بجدية مع ذلك. لقد اعتقد الجميع أن ترامب يشير بذلك إلى تدخل روسيا في الانتخابات في مصلحته. ولكن يبدو أنه كان يقصد أكثر من ذلك بقليل.

إذا كانت روسيا تستطيع أن تكسب من الاستثمارات الضخمة في سورية في فترة إعادة الإعمار، فإن الولايات المتحدة تستطيع أن تكسب من الاستثمارات الضخمة في السعودية المنوي إعادة بنائها في ظل حكم ولي العهد محمد بن سلمان. ولكن الصفقة الإجمالية تحتاج إلى تغيير في الشرق الأوسط. ولأن الصفقة الإجمالية تقتضي هذا التغيير فقد أعلن ترامب فجأة أنه سيؤيد ويدفع إلى عقد اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. خطوته الثانية كانت في السعودية. فبعد الزيارة التي أغدق فيها الاحترام على الملك سلمان تبين أن محمد الشاب، ابن الملك، قد تم تعيينه حاكمًا فعليًا، وأنه قرر بناء السعودية الحديثة وشن الحرب ضد مؤامرات إيران ووكلائها في المنطقة. وفي الوقت نفسه هدد ترامب بصورة موازية بإلغاء الاتفاق مع إيران. المرحلة المقبلة في الخطة كانت مرتبطة كما يبدو بإقصاء رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري عن منصبه، وإعلان ابن سلمان أن لبنان لن يسمح له بالتعاون مع حزب الله (هكذا تبين أن ترامب هو الرجل الصحيح في المكان الصحيح).

يبدو أن الخطوات المقبلة في الخطة تحتاج إلى تدخل إسرائيل. برغم أن روسيا تعهدت كما يبدو بأن تصد بدرجة معينة إيران (وربما كوريا الشمالية أيضا)، لذلك تم عقد لقاء سوشي، السعودية لا تثق بذلك وتفضل التحالف مع إسرائيل المهددة بصورة مباشرة مثلها. هكذا تبين فجأة أن رئيس الأركان أجرى مقابلة مع موقع سعودي على الإنترنت وأعلن أن إسرائيل مستعدة للتعاون مع الدول العربية المعتدلة. ويتبين أيضا لِمَ أصبح الاتفاق مع الفلسطينيين أمرا ملحا على جدول أعمال ترامب: السعودية لا يمكنها كما يبدو عقد تحالف مع إسرائيل من دون حل معقول للقضية الفلسطينية. ولأن إسرائيل سترفض منح الفلسطينيين كلهم حقوقا كاملة فيها، فقد بقي فقط حل الدولتين لشعبين بهذه الصيغة أو تلك.

هذا ما يمكن أن يحدث في المستقبل كما يبدو. إسرائيل والسلطة الفلسطينية يمكنهما الاحتجاج على ذلك. ولكن لا يوجد ولن يكون لهما أي بديل آخر. السعودية (وبعدها العراق) هي في هذه الأثناء فرصة تجارية مهمة جدا بالنسبة لترامب والاقتصاد الأمريكي، حيث لن يسمح لبنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت أو محمود عباس إفشال الخطة، وروسيا ستتعاون إذا تم تحقيق مصالحها. والصغط في الشمال سيستمر إلى حين تفهم إسرائيل الرسالة. إن من لا يؤمنون بأن ترامب يستطيع التخطيط لعمليات طويلة المدى كهذه ـ يفوتون فرصة رؤية التاريخ في تشكله.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى