مقالات مختارة

صوتكم يا دولة الرئيس بري: شارل أيوب

 

يا دولة الرئيس بري انا لبناني ماروني واعشق أمّتي من خلال عقيدتي القومية، لكن عندما قال ابو اياد ان طريق فلسطين تمر بجونيه وعندما هاجم ياسر عرفات مع طائفة وأحزاب وقوى مناطق المسيحيين كانت الكاتيوشا الفلسطينية تنهار وتسقط على بيوت المسيحيين وعليهم .

ولم يكن لدى المسيحيين الا بنادق الصيد، لكنهم دافعوا عن انفسهم وشعروا بالظلم الكبير والخطر على وجودهم وشعروا ان لبنانيتهم مهددة وشعروا انهم اصبحوا مشاريع مهاجرين وان الوطن تحول الى محطة سفر وان البيوت التي يعيشون فيها تحولت الى حقائب، لكن الحرب انتهت وبقيَ المسيحيون في ارضهم لبنان.

واذا توجه الى صوتكم ليعرف ويرفع الظلم عن المظلومين فأقول ان المقايضات المطروحة والاتهامات الموجهة الى المقاومة وجمهور المقاومة من الطائفة الشيعية هي ظلم للطائفة الشيعية بكاملها، حتى بات الامر قد وصل الى الشيعة في لبنان وهم اللبنانيون الاصيلون في لبنان مع بقية الطوائف الى اتهامهم بالمؤامرة والعمالة والحاق الظلم بهم.

لطالما كان اللبنانيون الشيعة يعيشون محرومين على مدى عقود من السنوات، من ميثاق 43 حتى مرحلة الاحتلال الإسرائيلي سنة 1982، وكم أصاب الطائفة الشيعية من ظلم ومحاولة اذلال، لكن اللبنانيين الشيعة لم يسقطوا امام احتلال الجنوب، بل دافعوا وقاتلوا، وعندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالخوف، لكن الشيعة اظهروا العجائب ورفضوا الاشاعات وقاوموا الاحتلال الإسرائيلي وقاوموا جيش لحد وكم عانوا من الظلم والاذلال على حواجز الاحتلال الإسرائيلي وجيش لحد، كي يزوروا أهلهم في بلداتهم الجنوبية ومدن الجنوب لمدة 48 ساعة ثم العودة الى بيروت على ذات حواجز الظلم والاذلال.

وما هان اهل الجنوب، وما ضعف اللبنانيون الشيعة في وجه العدو الإسرائيلي، فيما كان العدو الإسرائيلي يتحول الى صديق لدول عربية وكان الباطل يعلو صوته، فيما شهداء المقاومة واهل الجنوب من حزب الله وحركة امل وعلى مدى الطائفة الشيعية يقاومون الاحتلال حتى الحقوا الهزيمة به وحرروا جنوب لبنان سنة 2000.

اظهر اللبنانيون الشيعة بطولات لا يتصورها العقل، بل هي تُحفظ في الايمان، ولولا الايمان لما استطاع اللبنانيون الشيعة من الحاق الهزيمة بإسرائيل في حرب 2006 وضرب اكبر قوة على مدى الشرق الأوسط والعالم العربي وصولا الى أوروبا، حيث ان إسرائيل هي اقوى من دول أوروبية عديدة، لكن دم الشهداء والايمان بأرض لبنان وسيادته جعل الطائفة الشيعية والمقاومة وأهل الجنوب يلحقون الهزيمة بالعدو الإسرائيلي. فيما كان صوت الخليج يقول ان بطولات الطائفة الشيعية هي مغامرات طائشة.

اليوم تجري المقايضة مع الطائفة الشيعية، وبالتحديد مع حزب الله ودخوله في الحكومة تحت الشروط، وعبر هذه الشروط يلحق بجمهور المقاومة من الشيعة اتهامات بالعمالة واتهامات بأنهم ضد العروبة. ولم يعد الامر مقتصرا على جمهور المقاومة من الشيعة، بل أصبحت الطائفة الشيعية كلها متهمة.

والمقايضة جارية ومطروحة، وانتم يا دولة الرئيس عبر صمتكم، باستثناء عبارات قصيرة ولكن ذات عبرة وحكمة كبيرة تريدون الاستقرار في لبنان، لكن صوتكم يا دولة الرئيس، نتمنى ان يعلو، وان لا يضيع التقدير ويسوء التدبير، وان لا تصبح الجامعة العربية مكانا لاختلاط المعاني والكلام، واختلاط الصدق بالكذب، وأن لا يختلط على مدى المشرق العربي من لبنان الى سوريا والعراق حيث جرت المؤامرة ان لا يختلط الجهاد بالقتل، لان الذين قاوموا القتل والإرهاب والتكفيريين تجري ادانتهم اليوم، والاتهامات موجّهة الى الطائفة الشيعية وجمهور المقاومة. فيما الطائفة الشيعية والمقاومة اسقطت اكبر مؤامرة على المشرق العربي وعلى لبنان وهي تكاد تسجل الانتصار الأخير في اسقاط المؤامرة.

لقد فعلها الرئيس السنيورة عندما استقال الوزراء الشيعة من الحكومة، رغم ان الميثاق الوطني يقول بالعيش المشترك وبالتالي لا حكومة دون المكوّنات الرئيسية في لبنان، وقد فعلها الرئيس السنيورة عندما استقال الوزراء الشيعة واستمر في حكومته، والان يتم مقايضة اللبنانيين الشيعة بالدخول في الحكومة او الخضوع لشروط، اقلها النأي بالنفس، دون تحديد مفهوم النأي بالنفس وكيف، ودون شرح معنى لبنان اولاً، فيما دماء الطائفة الشيعية جرت انهارا في سبيل لبنان أولا.

وكيف لا يكون لبنان أولا والشيعة حرروا الجنوب وكيف لا يكون لبنان اولاً والطائفة الشيعية اللبنانية الحقت الهزيمة ومنعت إسرائيل من اغتصاب سيادة لبنان، وكيف لا يكون لبنان أولا والطائفة الشيعية حاربت الإرهاب في لبنان وحاربته في سوريا كي لا يأتي وينعكس على الساحة اللبنانية وحاربت في العراق ضد الإرهاب الذي كاد ان يدمّر العروبة والعروبة هي التي تجعل لبنان اولاً بالمعنى الحقيقي.

صوتكم يا دولة الرئيس لا بد ان يقول كيف تظهر على السطح وجوه مريبة وكيف يتم العمل على ان يموت الامل وتشحّ الاحلام، وكيف يجري العمل على الغاء العاقل، وإلغاء ملامح الحق على الوجوه.

صوتكم يا دولة الرئيس نريده كي لا يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء وتقوى المزايدات على الانتماء وعلى مفهوم القومية والوطنية وعلى أصول الدين وان لا تحاك الدسائس والمؤامرات، وتأتينا النصائح والتسويات المطروحة من القاصي والداني. فيما الطائفة الشيعية في الجنوب تحولت بيوتها الى ذكريات والذكريات الى حكايات بطولة وصمود، والان جاؤوا للمقايضة معها الى اشراكها في دورها في الحكم وحقها بالاشتراك في الحكم، مقابل شروط مفروضة من الخارج، لا بل من دول عربية أصبحت تعتبر الصديق عدواً والعدو صديقاً، والمطلوب من الشيعة في لبنان ان يخضعوا لهذا المفهوم.

ثم ما معنى النأي بالنفس، ومن الذي ضرب مبدأ النأي بالنفس وانخرط في المحاور.

ألم يقدّم الخليج مئات المليارات الى صدام حسين لضرب ايران فأصبحت ايران اقوى بعد تلك الحرب واصبح الخليج خائفا منها.

الم ينخرط الخليج في المحاور ويضرب النأي بالنفس عندما يدفع الى اميركا مليارات لاسقاط صدام حسين، بعد احتلاله للكويت، فأصبح العراق حليفا لإيران اليوم وبقبول أميركي.

ألم ينخرط الخليج في محاور وضرب النأي بالنفس لاسقاط حزب الله اللبناني فأصبحت ايران اكثر نفوذا في لبنان واصبح حزب الله اقوى.

ألم يضرب الخليج مبدأ النأي بالنفس عندما حاصر قطر فأصبحت قطر اقرب الى ايران من محيطها الخليجي العربي.

ألم يقم الخليج بعدم النأي بالنفس لاسقاط انصار الله في اليمن فأصبح ثلاثة ارباع اليمن حليفا لإيران.

ألم يقم الخليج بضرب مبدأ النأي بالنفس عندما دفع المليارات الى الرئيس الأميركي ترامب لاسقاط الاتفاق النووي الإيراني فأصبحت الدول الأوروبية حليفة لإيران.

ونعود الى ابن خلدون الذي كتب منذ 800 سنة في مقدمته الشهيرة عندما تنهار الدول يكسر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون والكتبة والقوّالون وقارعو الطبول بالحروب وتنكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.

والذي قاله ابن خلدون ينطبق على أيامنا هذه، لذلك صوتكم يا دولة الرئيس بري ينتظره الشعب اللبناني، وخاصة الطائفة الشيعية اللبنانية التي دولتكم هو احد قادتها، ومن يمثلها.

فهل انتم مع المقايضة باشتراك اللبنانيين الشيعة في الحكم تحت شروط.

وهل انتم يا دولة الرئيس ستسكتون عن اتهام الشيعة اللبنانيين بالعمالة والوقوف ضد العروبة، والمقايضة معهم على الانتظام في صف المؤامرة المنطلقة من إسرائيل الى اميركا الى بعض الخليج.

نحن لا نريد ان نكون طائفيين، بل نريد الوحدة اللبنانية أولا، ونريد النأي بالنفس، لكن نطرح أسئلة، هل الشيعة في البحرين وهم أكثرية لديهم حقوق المواطنة، هل الشيعة في السعودية وهم مواطنون سعوديون يتم احترام حقوقهم، وهل مسموح لهم المشاركة في الحكم في السعودية، ام انهم تحت الاضطهاد.

هل انصار الله والشيعة في اليمن يعيشون حصارا والملايين مهددون بالجوع والموت و400 الف طفل تحت ظل مرض الكوليرا ومنع الدواء والغذاء عنهم، والعدوان جار ضدهم بالطائرات والصواريخ والقنابل.

ألم يصبح النفوذ الايراني في اليمن اقوى بعد حرب السعودية على اليمن وانصار الله. وهل قامت السعودية بالنأي بالنفس في اليمن ام قامت بشن حرب عاصفة الحزم ضد دولة عربية ذات سيادة، وهل أدّت حرب السعودية على اليمن الى انتصار السعودية ام الى زيادة النفوذ الإيراني في اليمن.

ونسأل في العراق كم عانى الشيعة من اضطهاد صدام حسين لهم، ومع ذلك لا نريد ان نكمل بل نريد للعروبة ان تنتصر، لكن لا نريد ان يعلو صوت الظلم ويسكت صوت المظلومين. ولا نريد ان يرتفع صوت الباطل على صوت الحق، لذلك نعود الى لبنان والى مبدأ النأي بالنفس، الذي هو يحتوي عمليا على محاسبة شيعة لبنان وجمهور المقاومة حتى طال الطائفة الشيعية كلها.

ننتظر صوتكم يا دولة الرئيس بري في شأن المقايضة، وهل يشترك وزراء من حركة امل في حكومة تفرض على وزراء حزب الله للاشتراك في الحكومة شروطاً لإخضاعهم لإرادة غير لبنانية.

ننتظر صوتكم يا دولة الرئيس بري لان الآتي خطير، واتهام الطائفة الشيعية بوطنيتها ولبنانيتها امر مرفوض ودولتكم شيعي، وأنتم نجف الهوى، ودولتكم كربلاء الحنين والحزن وانتم يا دولة الرئيس قاتلتم ضد الحرمان، وانتم يا دولة الرئيس بميزانية 50 مليون دولار فقط لمجلس الجنوب قمتم باعمار المدارس وشق الطرقات وتقديم الخدمات على مدى الجنوب كله، فيما تم صرف المليارات في بيروت لمشاريع لا نريد الدخول فيها، فيما حصة الجنوب كله كان 50 مليون دولار لمجلس الجنوب الذي قام باعمار بلدات ومدن الجنوب بعد الاحتلال الإسرائيلي.

واليوم من الناقورة الى الاولي الى مرجعيون الى الخيام الى النبطية، نشهد عمرانا عظيما بفعل إرادة اهل الجنوب بالحياة الحرة الكريمة وبارادة اهل الجنوب أصحاب عزة النفس والموقف اللبناني والعربي الحقيقي.

وليس ادّعاء العروبة المتحالفة مع العدو الإسرائيلي والخاضعة لارادة الولايات المتحدة الظالمة.

ننتظر صوتكم يا دولة الرئيس بري.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى