بقلم غالب قنديل

لبنان يحبط الانقلاب السعودي

غالب قنديل

أكدت اطلالة الرئيس الحريري مع الزميلة بولا يعقوبيان كل ما تردد عن تعرضه للاختطاف والضغط النفسي وتهديد عائلته ويمكن قول الكثير عن مؤشرات الوجه الشاحب والنفس المتقطع والاكتاف المنحنية والريق الناشف والكلام عن العائلة بمقدار مشروعية اعتبار محتوى كلام الحريري السياسي مؤشرا على احتمال تراجع سعودي بعدما انكشفت الحماقة ومني مدبروها بفشل كبير نتيجة ردود الفعل اللبنانية والدولية.

يمكن القول إن لبنان احبط الخطة السعودية لتفجير الوضع الداخلي باحتجاز الرئيس المختطف والمستقال سعد الحريري واستطاع هذا اللبنان توليد ضغوط وتحولات في المواقف الدولية قد تفرض على النظام السعودي المتهور التراجع عن حماقة اختطاف الحريري واعتراض طريق الوفاق اللبناني الذي يقوده الرئيس ميشال عون منذ انتخابه.

الموقف اللبناني القوي الفاضح لجرم الاختطاف السعودي لرئيس حكومة محصن سياديا وإجباره على تلاوة بيان استقيل فيه من منصبه خلافا للأصول والأعراف الدستورية كان حصيلة مواقف الرئيسين ميشال عون ونبيه بري وخطابي السيد حسن نصرالله قائد المقاومة اللذين كرس بهما التعامل الهاديء الذي عطل محاولات التلاعب بالوضع الأمني وبالشارع بفضل تجاوب تيار المستقبل الذي أصيب بارتباك مفهوم وطبيعي لكن أركانه تمسكوا بالشراكة الوطنية وشرعيتها بعد انقلاب الحاضن السعودي الذي غدر برئيسهم.

قوة الموقف اللبناني تجسدت أيضا بانتباه شديد لكل محاولات التخريب والتحريض بواسطة مساحات الهواء الإعلامي المشتراة والتي تحرك القضاء بتوجيه من فخامة الرئيس ميشال عون لوضع حد لها وإنذار المتورطين بها.

من أبرز علامات صد العدوان السعودي اعتبار الاستقالة غير سارية او نافذة شكلا ومضمونا انطلاقا من الشك بان من تلاها كان مكرها ومغصوبا عليه وذلك ما كان مدخل حصانة الموقف السيادي ورفض الرئيسين عون وبري بالتالي لجميع الدعوات التي استعجلت الانتقال إلى قبول الاستقالة ومشاورات تكليف وتأليف في ظل همس سعودي لبعض المرتبطين بتبني ترشيح بهاء الحريري الذي رد عليه بقوة وزير الداخلية نهاد المشنوق.

الشجاعة والصراحة والديناميكية العالية لرئيس الجمهورية على صعيد الاتصالات واللقاءات المكثفة والمتلاحقة دحرجت كرة ثلج دولية داعمة للاستقرار اللبناني ونزعت الغطاء عن التهور السعودي باحتجاز الحريري بعد صدور مواقف قوية وواضحة من واشنطن وباريس ولندن.

العواصم الثلاث الغربية الكبرى تدرك كلفة الفوضى في لبنان ومعنى التداعيات الخطيرة لأي عمل عسكري يستهدف السيادة اللبنانية او يمس الداخل اللبناني وهي مدركة لخطر أي مغامرة على الكيان الصهيوني ولذلك اضطرت لمراجعة الحسابات التي قادتها إلى رفض الحماقة السعودية والتنصل منها ببيانات علنية وكان دبلوماسيو الغرب خلال السنوات الماضية يكثرون من حركتهم في لبنان ويغدقون الوعود لتحقيق غايتين رئيسيتين هما : تلافي خطر تدفق اللاجئين إلى بلدانهم والتيقن من درء خطر ارتداد الجماعات التكفيرية على الأمن الأوروبي وخروجها عن السيطرة وهذا ما دفع بالولايات المتحدة وسائر دول الناتو لتقديم المساندة إلى الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية اللبنانية.

لم يكن التلويح بالتراجع كافيا لوقف الحملة اللبنانية الخارجية التي تولاها الوزير جبران باسيل بفعل انتباه القيادات الوطنية السيادية لخطر الخداع السعودي وبحيث تكرست في جميع المواقف والاتصالات حتمية عودة الحريري ومثوله امام رئيس الجمهورية كشرط سيادي ودستوري لمناقشة الاستقالة في حين طلب الرئيسان عون وبري من جميع الوزراء مواصلة العمل المعتاد على رأس وزاراتهم وتم الاستعداد لأسوأ الاحتمالات بحيث تتكرس حقيقة اعتبار الحكومة قائمة دستوريا وعدم التعامل مع الاستقالة الواقعة في ريبة الإكراه.

هذه الصلابة اللبنانية التي دشنها الرئيس ميشال عون برعاية اجتماعات كرست لضمان التحصين المالي والأمني ضد أي تلاعب او تخريب محتمل تحمي لبنان من اخطر الخطط التخريبية السعودية التي عرفناها تباعا في السنوات الماضية وهي تسمح للبلد الصغير بالانتصار على مؤامرة جديدة تستهدف وحدته الوطنية واستقراره … والمعارك مستمرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى