“وثيقة وطن ” في مئوية بلفور
غالب قنديل
شهدت دمشق في اليومين الماضيين مؤتمرا مميزا في مناسبة مئوية وعد بلفور وقد اختارت مؤسسة وثيقة وطن بمجلس أمنائها ورئيسته الدكتورة بثينة شعبان أن تشهر تأسيسها وتطلق مشروعها التنويري في مناسبة ترمز تاريخيا في الشكل والمحتوى الى كفاح اﻷمة العربية وسورية بالذات ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية خلال قرن من الزمان كان حافلا بالمؤامرات والخطط الاستعمارية والحروب وشهد زرع الكيان الصهيوني كقاعدة مركزية لمنظومة الهيمنة الاستعمارية في قلب الوطن العربي وبالتحديد وسط مصر وسورية ولبنان واﻷردن والعراق ضمنا اي تقطيع اوصال مركز الثقل القومي ومنعه من التواصل والتكامل بل والسعي لإخضاع هذه البلدان بالذات واستنزافها اقتصاديا وعسكريا ووضعها تحت التهديد المستمر الذي أسندت مهامه مؤخرا لعصابات التكفير الارهابية ورعاتها الدوليين والاقليميين من حكومات الناتو والحلف الصهيوني الرجعي تحت الرعاية الأميركية .
شكلت القاعدة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين المحتلة حجر الزاوية في مشاريع التجزئة والتفتيت واستنزاف طاقة الأمة وقدرتها على التقدم ومثل الكيان الصهيوني قوة اخضاع وتدمير وعدوان الى أن نشأت معادلات الردع الاستراتيجية التي أرساها القائد الراحل حافظ الأسد في ضوء دروس الحروب والمواجهات المتعددة من خلال مبادراته الثلاث:
– بناء قوة الدفاع والردع الصاروخي لاحباط التفوق الجوي الصهيوني.
– تحصين سورية وقدراتها الدفاعية ومنع اخضاعها لتغدو حاضنة لحركات المقاومة التي مكنها الدعم السوري طيلة عقود من استنزاف العدو وردعه والتغلب عليه باخراجه دون قيد او شرط من لبنان وقطاع غزة..
– التحالف مع ايران القوة الاقليمية الوازنة لتعويض تقهقر الصف العربي بعد اختراقه باتفاقيات الاستسلام والتطبيع.
وثيقة وطن هي مؤسسة طموحة من حيث أهدافها الرئيسية التي تتلخص بعمل تنويري لحفظ الذاكرة القومية بالتوثيق العلمي للأحداث وبتدوين الشهادات المنقولة والمروية لمواطنين عاصروا الحروب والأزمات التي تتلاقى في كونها خلال ما يزيد على نصف قرن مضى تعبيرا عن الصراع بين الجماهير العربية وقواها الحية التحررية ومنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وحيث شكلت فلسطين القضية المركزية لمعسكر التحرر الوطني والقومي وقدر لسورية ان تكون قلعة المقاومة والتحرر العربية.
تلاقى في هذا المؤتمر وبدعوة من وثيقة وطن عشرات قادة الرأي والفكر من سورية ومصر ولبنان واﻷردن والعراق وتونس والجزائر وقد شهد اليوم الأول عروضا نظرية لمحاور النقاش في التاريخ الحديث ومستقبل الأمة العربية ونضالها للتحرر والتقدم كما دارت نقاشات تركزت على اقتراحات ومساهمات لبلورة الموضوعات لكن المحطة النوعية في المؤتمر كانت في اليوم الثاني عندما توزع المشاركون على طاولات للعصف الفكري وللتفكير الجماعي لبلورة نقاط لكل ملف تتفرع عنه وتمثل قاعدته الفعلية وتناولت الملفات عناوين النهوض القومي والهوية العربية ومخاطر التطبيع ومواجهة التفتيت والتكتل اﻹقليمي وطريق الحرير.
في ختتام اليوم الثاني جرت صياغة خلاصات النقاش الذي شكل اختبارا جديدا وعمليا لمنهجية التفاعل الفكري والعمل ضمن فريق للتفكير بدلا من اسلوب الاستظهار الفكري والثقافي.
هذه العملية الواعدة تطلق شكلا من العمل التنويري والتشبيك التفاعلي للمفكرين والكتاب والمثقفين والاعلاميين في سياق معركة التنوير والوعي التي يحتاجها الوطن العربي في هذه المرحلة وحيث تقع على عاتق سورية تبعات القيادة والاحتضان لمبادرات طليعية تحتاج اليها البلاد العربية في هذه المرحلة بالذات.
متابعة توصيات المؤتمر والتأسيس لشبكة قومية دائمة هي التزامات تقدمت بها صاحبة المبادرة الدكتورة بثينة شعبان وهي بذلك تفتح الأبواب وتشرعها لعمل فكري وثقافي وإعلامي متعدد الاتجاهات.
مئة عام بعد وعد بلفور ينبغي أن تكون عبرتها حافزا للمزيد من النضال الوطني والشعبي ولنشر وعي جديد بلغة جديدة وواقعية تحاكي نبض الشباب والعصر وتوقظ الغافلين من سباتهم وتراكم وعيا جديدا بمستوى انجازات المقاومة وانتصاراتها وبوزن ملحمة الصمود السوري الذهل ضد الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية.