وعد بلفور: مسؤوليتنا أيضاً ليلى نقولا
تحلّ في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم على أمّتنا العربية، وعلى فلسطين التي أضاعها التنافس الاستعماري على منطقتنا، والتي تستمر لغاية اليوم جرحاً نازفاً في جسد الأمّة العربية لن يندمل ما دام الاحتلال يجثم على أرض فلسطين ويشرّد أهلها ويقتل أبناءها.
وفي هذه الذكرى لا بدّ لنا من أن نقف لبرهة في لحظة مع الحقيقة، لنقيّم المسؤوليات التاريخية التي أدّت إلى تنفيذ ذلك الوعد، وذلك بهدف التعلّم من التاريخ واتّخاذه درساً في حياتنا اليومية طالما الإسرائيليون ما زالوا لغاية اليوم يهدّدون بالحروب وبمعاقبة الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، وطالما الدول الاستعمارية السابقة ومنها بريطانيا ما زالت تفتخر بما اقترفته، ويكفينا ما قالته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بأن البريطانيين يشعرون بالفخر من الدور الذي لعبوه في إقامة دولة إسرائيل، وأكّدت “نحن بالتأكيد سنحتفل بهذه الذكرى المئوية بفخر“.
من المهم إعادة التأكيد على أن الرسالة التي أرسلها جيمس آرثر بلفور إلى اللورد روتشيلد، يمنحه فيها وعداً باسم حكومة جلالة الملك، لم تكن تمتلك أية قيمة قانونية في القانون الدولي، فهي ليست معاهدة، ولم تكن تلزم أحداً من الأطراف سوى كاتبها وحكومته، ولم يتحوّل هذا الوعد بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين إلى نص قانوني يعتّد به سوى بعد صدوره في صكّ الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1922.
ولعلّ الخطأ الذي وقع فيه الأمير فيصل زعيم ما كان يسمى بالثورة العربية بقيادة لورانس العرب، في الاتفاقية الموقّعة بينه (بصفته ممثلاً للمملكة العربية في الحجاز) وبين حاييم وايزمان (بصفته ممثلاً للمنظمة الصهيونية) في 3 كانون الثاني/ يناير 1919، هو اعترافه بهذا “الوعد” وتضمين المادة الثالثة من الاتفاقية “إعطاء كافة الضمانات” لتطبيق “وعد بلفور”، عند إنشاء دستور وإدارة فلسطين.(أنظر نصّ الاتفاقية على موقع وثائق الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين).
ثانياً: تفيد الوثائق التاريخية أن الفلسطينيين وعوا مبكراً خطورة هذا الوعد، لكن المفاوضين باسم الفلسطينيين اتّخذوا الأمر بحُسن نيّة، واعتبروا أن المفاوضات هي الوسيلة الأفضل للمواجهة، وصدّقوا الوعود التي أغدقها عليهم حاييم وايزمان بعدم المساس بالأماكن المقدّسة، فما كان من سليمان بيك ناصيف أن أكّد أنه « في ما يتعلّق بفلسطين فإن لديها متّسعاً لمليون إضافي، من دون التأثير على تركيبتها السكانية الحالية». (راجع الوثائق التاريخية للقاء القاهرة بين القيادات اليهودية والعربية في 27 آذار/ مارس 1918).
ثالثاً؛ بالرغم من كل الحذر والخطورة اللذين انطوت عليهما الممارسات البريطانية والصهيونية في فلسطين، وبالرغم من أن صكّ الانتداب قد أكّد على المساعي البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبالرغم من أن الشعب الفلسطيني أقام التظاهرات الرافِضة لهذا الوعد ولتلك الممارسات، إلا أن الثورة الحقيقية الكبرى الأولى وهي ثورة البراق حصلت متأخّرة نوعاً ما، في العام 1929، وكانت شرارتها الاعتداء اليهودي على المسجد الأقصى، ثم توالت الثورات في ما بعد، فكانت ثورة عز الدين القسّام 1930، وما تلاها من مقاومة مسلّحة مستمرة لغاية الآن.
إذاً، التاريخ يُنبئ بأن الفلسطينيين والعرب لم يغفلوا عن خطورة ما يُحاك لفلسطين من مؤامرات، ولكن المشكلة تكمن في الوسائل التي اعتُمدت لمواجهة هذه المؤامرات، ففي عالم تسوده القوة وقوى لا تفهم إلا لغة القوّة، لا يمكن للمرء أن يتّكل على حُسن النيّة والبراءة، بل عليه أن يتسلّح بجميع معايير القوّة، ليشكّل توازن ردع يستخدمه في فرض تصوّره للحلول. ولعلّ الدرس الأكبر الذي نتعلّمه من مئوية “وعد بلفور” اليوم بالذات، في ظلّ ظروف تمر بها المنطقة مشابهة لمرحلة سقوط الامبراطورية العثمانية، هو الانتباه لما يُحاك للمنطقة، وعدم الوثوق بأية جهة دولية مهما ادّعت صداقتنا.