الصفقة السعودية: لا يوجد أي احتمالات للتطبيع من دون حل القضية الفلسطينية: يوسي ميلمان
في الخطاب الجماهيري الإسرائيلي تثبت الافتراض الذي يقول إنه يوجد تعاون غير مسبوق بين إسرائيل والدول العربية السنّية. وعند الحديث عن «العالم السنّي»، يكون المقصود أو الملمح إليه على نحو خاص هي السعودية. هذه الرسالة يدرسها أساسا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى خلق الانطباع بأن الوضع الدولي في إسرائيل لم يسبق أن كان أفضل. ويستهدف شعار نتنياهو ورجاله بالطبع رفع مستوى حكومته والتباهي بإنجازاتها، الحقيقية والوهمية .
وراء الرسالة العلنية عن العلاقات الخارجية المحسنة، تختبئ رسالة خفية. فهو يسعى إلى أن يقول للجمهور إنه برغم النزاع مع الفلسطينيين، برغم الاحتلال والمستوطنات، تتمتع إسرائيل بعلاقات ممتازة في العالم، وبالتالي لا حاجة إلى التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين ولا حاجة إلى السعي إلى اتفاق سلام. وعلى حد نهج نتنياهو، رفاقه في الليكود، وزير التعليم نفتالي بينيت ورجال البيت اليهودي وكذا وزير الدفاع افيغدور ليبرمان، يمكن مواصلة الوضع الراهن إلى الأبد بل وبين الحين والآخر التآكل فيه وتغييره من خلال ضم أجزاء من الضفة.
هذا أيضا هو موقف وزير الدفاع السابق موشيه بوغي يعلون، الذي برغم الهُوّة الايديولوجية القائمة بينهما، يغازله رئيس حزب العمل آفي غباي. فقد روى يعلون أنه منذ نحو عشر سنوات، بعد أن انضم إلى الليكود قال لا أمل في الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين، وبالتالي من غير المجدي بذل الجهود في هذا الشأن. وبدلا من ذلك يجب إسكان مليون مستوطن آخر في الضفة و«إدارة وصيانة» النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
علاقات إسرائيل مع العالم العربي
ولكن حتى من دون أن نكون «مخللين» فإن مواقع علاقات إسرائيل مع العالم العربي أكثر تعقيدا مما يعرضه نتنياهو. صحيح أنه لا يوجد «تسونامي سياسي» ضد إسرائيل كما توقع رئيس الوزراء الأسبق ايهود باراك، ولكن احتمال الاختراق الدراماتيكي في العلاقات مع العالم السنّي وإقامة علاقات دبلوماسية علنية وعلاقات تجارية شاملة، هو احتمال طفيف أيضًا.
أقوال بهذه الروح أطلقها صراحة قبل أسبوعين الأمير تركي الفيصل، الذي كان على مدى 22 سنة، حتى عام 2001، رئيس المخابرات في السعودية وبعد ذلك سفير بلاده في الولايات المتحدة وفي بريطانيا. وظهر الفيصل إلى جانب نظيره، رئيس الموساد الأسبق افرايم هليفي، في النقاش الذي جرى في كنيس «عمينو ـ ايل» في نيويورك. الفيصل، الذي سبق أن التقى في الماضي كبار سابقين في جهاز الأمن أشار في النقاش إلى أنه منذ اعتزاله لا يتحدث مع مندوبين مقيمين ورسميين لحكومة إسرائيل.
وعلى حد قوله، برغم المصلحة المشتركة بين السعودية وإسرائيل في منع البرنامج النووي لإيران ومساعيها للهيمنة في المنطقة، فإن التعاون الحقيقي بين الدولتين لن يُتاح إلّا عندما تتحقق تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين. ودعا قائلًا إن «إيران هي هدف مشترك لإسرائيل ولنا، وبالتالي تعالوا نشطب المسألة الفلسطينية عن جدول الأعمال».
قال لي هليفي هذا الأسبوع إنه يتفق وتقدير محاوره السعودي. «لا يوجد أي احتمال لعلاقات مع السعوديين من دون حل للمشكلة الفلسطينية»، أشار رئيس الموساد الأسبق، وذكر مبادرات السلام للرياض في هذا الشأن كلها ـ المبادرات التي رفضتها حكومات إسرائيل المرة تلو الأخرى.
وبالمناسبة، فقد ظهرت بين الفيصل وهليفي خلافات في الرأي بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني. وبينما يؤيد الأمير السعودي، مثل نتنياهو، إلغاء الاتفاق فإن هليفي، مثل معظم قادة جهاز الأمن في إسرائيل يعتقد أن لا مجال لإلغائه لأنه «أهون الشرور». كما تناول الفيصل موجة الإشاعات التي اجتاحت مؤخرا وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية في العالم العربي، التي قالت إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، زار إسرائيل مؤخرا. وعلى حد قوله فإن مصدر الإشاعات هو «الانطباع المغلوط الذي تبناه رئيس الوزراء نتنياهو بنفسه»، وأضاف ـ «أعتقد أن السيد نتنياهو رسم لنفسه صورة توجد فيها تفاهمات من تحت الطاولة، بين الدولتين بسبب إيران ويحاول أن يعرض على العالم وكأن لديه تأييدا في العالم العربي من دون أن يتعهد بحل المسألة الفلسطينية».
واضاف مدعيًا أن السعودية لا تجري اتصالات مع مندوبين إسرائيليين، ولا حتى من خلف الكواليس. وفي هذا الموضوع، وفقا لما نشر فإنه غير دقيق، على أقل تقدير. أما هليفي، الذي يعرف الحقيقة، فلم يرد. في حديثه معي رفض هليفي الإجابة عن السؤال إذا كانت له حين تولى مناصب مختلفة في الموساد، سواء رئيس القسم العالمي أم رئيس الموساد، لقاءات مع نظرائه من السعودية. ولكن يمكن التقدير، استنادا إلى منشورات في الماضي أيضا أن مثل هذه اللقاءات كانت تجرى بالفعل منذ الثمانينيات. وبين الحين والآخر تحظى بالنشر في وسائل إعلام أجنبية. هكذا على الأقل كان في حالتين، عندما قيل إن رئيس الوزراء في حينه ايهود اولمرت ورئيس الموساد مئير داغان التقيا كلا على حدة رئيس المخابرات السعودي الأمير بندر بن سلطان. ولكن هذه المنشورات وغيرها بالذات، وكذا أيضا الحقيقة التاريخية، تدحض موقف نتنياهو وتعزز الفرضية أنه من دون تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، فإن العلاقات مع العالم السنّي لن تنضج وستبقى فجة أبدا.
اتفاقات اوسلو
بعد اتفاقات أوسلو في 1994، رفع مستوى مكانة إسرائيل الدُّولية. فقد أقامت عشرات الدول في آسيا وأفريقيا أو استأنفت معها العلاقات الدبلوماسية، بما فيها قوى عظمى كبرى كالصين والهند.
وعلى خلفية المسيرة السلمية أقيمت علاقات رسمية ودبلوماسية على مستويات مختلفة مع قَطر، المغرب وموريتانيا، بينما وقع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل. زعماء دول عربية من عُمان، قطر، اتحاد الإمارات، ملك المغرب وبالطبع ملك الأردن ورئيس مصر، لم يترددوا في اللقاء علنا مع زعماء إسرائيليين. كما أدت اتفاقات أوسلو أيضا إلى ثمار سلام في شكل ارتفاع التجارة مع دول العالم بما في ذلك العالم العربي أيضا. ولكن عندما اندلعت الانتفاضة الثانية في 2000 قطعت بعض من الدول السنّية علاقاتها مع إسرائيل، وزعماؤها لا يسارعون منذئذ إلى التقاط الصور لهم مع زعماء إسرائيل. ما يفيد أن الدول السنّية لا يمكنها أن تتجاهل المسألة الفلسطينية. لإسرائيل، من خلال الموساد لم تكن مصاعب في عقد اتصالات مع جهات رسمية في العالم العربي. فمنذ الستينيات التقى الحسين ملك الأردن سرا زعماء إسرائيل.
وقبل بضع سنوات، في لقاء علني في وارسو، روى هليفي أنه زار عمّان منذ السبعينيات. وعن العلاقات بين الموساد والأجهزة السرية المغربية سبق أن كتب كثيرا حسب وثائق ويكيليكس، اعترف حاكم البحرين في 2005 على مسمع من السفير الأمريكي أن بلاده تعاونت مع الموساد.
ولكن حسب منشورات في العالم كانت هذه دوما علاقات سرية، تركزت في مجال ضيق من المصالح: مكافحة الإرهاب، بيع السلاح (اليوم أيضا توجد تقارير لوسائل إعلام أجنبية عن تجارة أمنية متفرعة مع أبو ظبي وعن تأجير طائرات للأردن)، أو مساعدات استخبارية ضد معارضي النظام. ومن أجل رفعها إلى السطح على إسرائيل أن تغير الاتجاه وتستأنف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
مشكوك جدا أن تفتح حكومة نتنياهو ذلك، الا إذا أجبرها الرئيس دونالد ترامب.
الآن بالذات يقول هليفي توجد لإسرائيل فرصة، فرصة أخرى، لعمل ذلك. «لقد نشأ ائتلاف نادر حول المصالحة المتبلورة بين حماس والسلطة. هذه المصالحة تقودها مصر. السعودية هي الأخرى تؤيدها، مثلما حاولت في 2008 دفعها إلى الأمام. ومن خلف المصالحة وقفت كل دول الخليج، وحتى إيران، روسيا وتركيا تؤيدها. يوجد هنا وضع غير مسبوق يتفق عليه الخصمان اللدودان إيران والسعودية الواحدة مع الأخرى، وإسرائيل هي فقط تعارض.
عندما نقول إنه قبل كل اتفاق مصالحة على حماس أن تعترف بشروط الرباعية، فإننا في واقع الأمر نعرض شروطا مسبقة. ومن هذه الرباعية؟ الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة وروسيا. روسيا تتحدث مع حماس وتلتقي ممثليها. والحديث عن شروط الرباعية هو إهانة للذكاء».
معاريف