بلورة استراتيجية لمواجهة محور إيران ـ «حزب الله» ـ سوريا تشيك فرايلخ
ليس واضحا إذا كان التصعيد في الشمال موجة عابرة، أو أنه تعبير عن الثقة الزائدة بالنفس لنظام الأسد وشركائه الإيرانيين، وإشارة إلى ما سيأتي. ومهما يكن الأمر، يظهر هناك تحول سلبي في توجه إيران وحزب الله لتعزيز سيطرتهما في سوريا. إيران، حسب التقارير، تسعى إلى إقامة مواقع جوية وبحرية في سوريا، ووضع قوات برية، إضافة لقوات حزب الله، وفتح مصانع لانتاج الصواريخ فيها وفي لبنان، وحتى أن إيران وقعت مؤخرا مع سوريا اتفاق تعاون عسكري واستراتيجي. كل ذلك يزيد الخطر بأن المعركة المقبلة في الشمال ستتحول إلى مواجهة بين إسرائيل وإيران .
مقابل محور إيران ـ حزب الله ـ سوريا الذي يعمل الآن برعاية روسية، يجب على إسرائيل أن تبلور استراتيجية شاملة بدل الاستمرار في الردود الموضعية. اللبنة الأولى في هذه الاستراتيجية ترتبط بإظهار ضبط النفس العسكري، وتبني مقاربة طويلة المدى لإدارة النزاعات وليس محاولة حلها. لذلك، يجب العمل عسكريا فقط عندما يكون ذلك ضروريا حقا، وبعد استنفاد كل الخيارات. ولكن ليس بهدف استعراض القوة أو «زيادة الردع»، كما يشرحون ذلك في الجيش الإسرائيلي بعد كل حادثة تقريبا. السياسة الحالية المكونة من ردود ضعيفة ومتكررة، وزيادة المواجهات مع حزب الله وحماس، التي انتهت من دون نتيجة واضحة، تستنزف قوتنا عبثا وتضر في نهاية المطاف بالردع الإسرائيلي بدل تعزيزه.
لبنة أخرى، إضافة إلى ضبط النفس العسكري، هي جعل الخطاب معتدلا. يوجد ميل طبيعي في وصف أوضاع صعبة «غير محتملة»، والاستنتاج من ذلك ضرورة القيام بشيء ما. لا شك أن إسرائيل تقف الآن أمام حالات متنوعة «غير محتملة» بكل المعايير، لكن في واقعنا المجنون يتبين أنها محتملة بالتأكيد. لا يجب على كل نقاش يجري في الحكومة أو أية زيارة ميدانية أن تنتهي بتصريحات عالية بشأن الحاجة إلى إظهار الثقة الوطنية بالنفس.
من المهم أن نفهم أن لروسيا وإيران يوجد رأي عام وكرامة وطنية. وهما لا تستطيعان تحمل الإهانة المستمرة لدولة تحت رعايتهما، سوريا، بوساطة إبراز علني متكرر لقدرتنا على الطيران من دون إزعاج على طول البلاد وعرضها. إبراز هذه القوة أدى في السابق إلى نشر نظام صواريخ مضادة للطائرات في مصر في حرب الاستنزاف. وفي نهاية المطاف أدى إلى إسقاط نحو 20 ٪ من طائرات سلاح الجو في حرب الغفران. من الأفضل العمل بهدوء.
اللبنة الثالثة هي الجهود الدبلوماسية أمام الولايات المتحدة وروسيا بهدف التأثير ولو قليلا في النظام الجديد الآخذ في التبلور في سوريا. الولايات المتحدة في عهد ترامب لا يمكنها أن تكون دعامة استراتيجية أمينة لإسرائيل، التي مكانتها في المنطقة وفي العالم ضعفت ولم تقم بتطوير استراتيجية بالنسبة لروسيا، خلافا لاستئصال داعش. كما أنه لا توجد لها سياسة شاملة بالنسبة لإيران. وقد كشف ترامب مؤخرا عن «استراتيجيته الفارغة» بهذا الشأن. ومع ذلك، يوجد لوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس وشخصيات رفيعة المستوى في الإدارة الأمريكية وجهة نظر متبلورة أكثر قريبة من وجهة نظر إسرائيل، ومن المهم تنسيق المواقف معهم بقدر الإمكان.
إن خروج الولايات المتحدة من الساحة السورية يبقي القيادة في أيدي روسيا. ومصالح روسيا في سوريا تختلف عن مصالح إسرائيل، لكن بوتين اعتاد على الاهتمام بها بدرجة معينة. وكذلك فإن المصالح الروسية والإيرانية في سوريا ليست متطابقة، الأمر الذي يفسح مجالا معينا للعمل. بناء على ذلك، يجب على إسرائيل الاستمرار في العمل أمام بوتين، من أجل أن يخلق اتفاق وقف النار في سوريا مسافة كبيرة بقدر الإمكان بيننا وبين إيران وحزب الله. الجهود الدبلوماسية مقرونة بضغط عسكري مع قوة منخفضة، من شأنها أن تثمر إنجازات معينة. بوتين أيضا يدرك أخطار التدهور في سوريا بشكل عام، وبين إسرائيل وروسيا بشكل خاص.
اللبنة الرابعة هي الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران وسيلة أكثر نجاعة لمنع حصولها على السلاح النووي. في هذا الإطار يجب تشجيع الولايات المتحدة وحلفائها على تطبيق الاتفاق بنجاعة والعمل في المستقبل على أن يُفرض على إيران اتفاق مكمل، بهدف تحديد القيود على قدرتها النووية إلى الأبد.
اللبنة الخامسة هي إنشاء جهاز دبلوماسي من أجل خلق ضغط دولي على إيران، لتغيير سلوكها الإقليمي العدائي بشكل عام، لا سيما في سوريا وفي مجال الصواريخ. الحفاظ على الاتفاق النووي هو شرط ضروري لذلك. وفي غيابه ستتحول الولايات المتحدة (وإسرائيل أيضا) إلى الدولة المعزولة، وليس إيران.
تستطيع إسرائيل ردع إيران والدفاع عن نفسها أمامها بنجاعة، لكن إخضاعها يفوق حجمها. وحتى الدول العظمى تتصرف معها بحذر. خصائص المنطقة اللبنانية والتغييرات التي حدثت في طبيعة الحرب الحديثة تصعب على إسرائيل أن تخضع أيضا حزب الله، من دون ثمن غير مبرر بحياة الناس وضرر شديد بالجبهة الداخلية. إلى الحرب نستطيع أن نصل دائما، وربما لن يكون خيار آخر في نهاية المطاف. ولكن العقلانية تتمثل في محاولة الامتناع عن ذلك. إن الحرب التي يتم تأجيلها يمكن أن تندلع في نهاية المطاف بقوة أكبر. ولكن يمكن أيضا منعها.
من الممكن ومن الضروري تبني استراتيجية شاملة ومبلورة تجاه محور إيران ـ حزب الله ـ سوريا، ومن ضمن ذلك الرؤيا بعيدة المدى الموصى بها، والامتناع عن الردود التكتيكية المتكررة. فإيران لن تذهب إلى أي مكان آخر، وكذلك نحن.
هآرتس ـ 1/11/2017