روسيا وإيران ومخاض التكتل
غالب قنديل
تتلاحق اللقاءات الروسية الإيرانية وتكتسب أهمية متزايدة في ظل التطورات الصاخبة والمصيرية التي تعيشها المنطقة والعالم بأسره وفي حين تمثل طهران وموسكو نقطتي جذب للاهتمام العالمي ومركزين هامين لصناعة الأحداث والقرارات نظرا لما يمثله الحضور الروسي والإيراني اقتصاديا وسياسيا وعسكريا واستراتيجيا من فاعلية وتأثير في التوازنات المتحولة على الصعيدين الدولي والإقليمي.
عبر اللقاء الذي عقد في طهران بين الرئيس فلاديمير بوتين والمرشد الإمام السيد علي الخامنئي عن حرارة الحلف القائم بين الدولتين وشكل انضمام الرئيس الآذري الهام علييف تكريسا لمثلث آسيوي نوعي يشكل محطة مهمة في مسار تشكل الكتلة الشرقية الجديدة على طريق الحرير الصيني الذي بلغ قطاره طهران وما تم إعلانه من اتفاقات تشمل المواصلات وانابيب النفط والغاز بين الدول الثلاث يعتبر نوعيا للغاية في تحضير المشهد لما هو أبعد وأشد اهمية في تكتل قوى الشرق.
توثقت العلاقات الروسية الإيرانية في الميدان السوري واكتشف الشريكان مساحة واسعة من المصالح والتطلعات المشتركة بالتناغم مع الشريك السوري كما اختبرا فرص التوصل إلى تفاهمات في العديد من الملفات التي تردد حولها كلام كثير عن تباعد ذهبت روايات الرغبة الأميركية إلى وصفه بالتنافر والتناقض الذي بنيت عليه حسابات ورهانات منيت بالفشل.
اظهر الحليفان الروسي والإيراني قدرة عالية على التناغم رغم وجود تباينات ظاهرة في الشأن السوري نفسه فمن المعروف ان كلا من سورية وإيران تحتضن حزب الله وتدعمه وتعتبر الكيان الصهيوني عدوا من الدرجة الأولى بينما تقيم موسكو علاقات واضحة ومعلنة مع تل أبيب لكنها تثبت اكثر فأكثر قدرة على الموالفة بين علاقاتها الخاصة واعتبارات التحالف مع سورية وإيران.
طيلة السنوات المنصرمة حرصت روسيا على عدم مسايرة تل أبيب بأي موقف او التزام يمس ثوابت سورية بالدرجة الأولى او يمثل تعارضا جديا مع الموقف الإيراني الذي يميل لإظهار تفهم اوسع للخصوصيات الروسية مقابل التفهم الروسي لحساسيات الموقفين السوري والإيراني ولضرورة التعامل مع حركة مقاومة كحزب الله باعتبارها شريكا أساسيا في معادلات القوة التي بلورت قدرة سورية وشركائها على دحر عصابات الإرهاب التكفيرية وداعميها من دول الناتو والحكومات الإقليمية الدائرة في الفلك الأميركي.
هذا هو الشرق الجديد الذي ينهض من سورية الأبية وثمة معارك لا تزال على الطريق تتضمن معالجة الملف الكردي والقضاء المبرم على داعش وجبهة النصرة وإنهاء التدخل العسكري الأميركي والتركي وبمثل ما تعتبر هذه الأهداف اولويات متوازية للقيادة السورية وحليفيها إيران وحزب الله هي أيضا اولويات عند روسيا والرئيس بوتين والموقفان الروسي والإيراني متشابهان في السعي لاختبار الاحتواء بقوة التوازنات ومقدرات الردع بناء على الدروس التي تلقنتها اسطنبول في الفصول السابقة من الحرب على سورية بينما تبديان تصميما مشتركا على مجابهة العربدة الأميركية وردعها بمثل ما تبدي القيادة السورية تصميمها على تحرير كل شبر من التراب السوري من الإرهاب ومن كل وجود اجنبي لم يخظ بموافقتها.
تدرج المواقف السورية والإيرانية والروسية يتحول إلى نقطة قوة حاسمة لهذا التحالف الوثيق الذي تدرك قيادته ان المسار المؤدي إلى النصر ليس نزهة لكنه ليس مستحيلا وتناغم سورية مع شركائها الكبار سيتيح لها التقدم في الإنجاز والانتقال إلى إعادة تشكيل الشرق من جديد بشبكة علاقات وشراكات اقتصادية سيدشنها المخطط العملاق لإعادة بناء سورية بعد الحرب والذي بات مدار بحث بين سورية وشريكيها روسيا وإيران بالإضافة إلى القوة العظمى الجبارة التي تمثلها الصين.