ألف يوم على الحرب: ابن سلمان يواصل ضرب الرأس بالجدار: خليل كوثراني
قبل أيام، قدّم محمد بن سلمان إحدى أهم «وثائق» حرب اليمن، التي سيحتفظ بها أرشيف المؤرخين، كما سيتعاملون مع وثيقة لا تقل أهمية، مَنَحها بالتزامن حمد بن جاسم بشأن الحربين اليمنية والسورية
في السياسة، لم يكن وقع مواقف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حواره مع وكالة «رويترز» بالنسبة إلى اليمنيين مفاجئاً، بقدر ما مثّل فرصة جديدة (بعد فرصة الأزمة الخليجية) لكسب النقاط في معركة الرأي العام الداخلي والإقليمي حول حقيقة دوافع الحرب وجوهر الأهداف السعودية فيها (إضافة إلى التصريحات المحرجة لوزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم). أما القراءات السريعة لمآلات موقف ابن سلمان، فانصبّت على استنتاج أن لا حل سريعاً يلوح في الأفق. في حيثيات الموقف وما تبعه من تصريحات وتحركات، تظهر جملة من الملاحظات حول الموقع السعودي من الملف اليمني بعد ألف يوم من الحرب.
في الشكل، توجّه ابن سلمان إلى الرأي العام الغربي عبر منبر «رويترز»، مخاطباً الأميركيين، تحديداً، بلغة تتناغم وخطابهم، عبر التحذير من استنساخ تجربة «حزب الله الإرهابي» وفق المنظار الأميركي، والتنبيه إلى خطورة خسارة الإطلالة على ممر باب المندب والبحر الأحمر وتهديد ذلك للتجارة العالمية، ما يستدعي استمرار الحرب.
بالغ وليّ العهد في تقدير موقعه لدى واشنطن مقارنة بموقع إسرائيل، الحليف الأول للأميركي، حين أراد استغلال لحظة تتصاعد فيها حملة «العزل» التي يقودها الرئيس دونالد ترامب ضد إيران، ليلفت الانتباه إلى أنه لا بد من الالتزام تجاه الصديق السعودي بدرجة مشابهة لتلك التي تلحظ فيها هواجس تل أبيب.
من زاوية أخرى، كان لا بد من تصريح مماثل في هذا التوقيت، نظراً إلى جملة استحقاقات بخصوص الملف اليمني. فمن جهة، تنشط الديبلوماسية الأميركية تحت ضغوط داخلية لتخفيف أعباء الحرب وملفها الإنساني المحرج، وبدرجة أقل بحثاً عن حل سياسي للأزمة. ومن جهة ثانية، تتزايد الضغوط البرلمانية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة حول موضوع تسليح السعودية. وثالثاً مشروع مقدم إلى الكونغرس يلزم البيت الأبيض بسحب مشاركته اللوجستية في حرب اليمن.
ما أراده ابن سلمان بتحركاته، عبر اجتماع «التحالف» في الرياض، والتنازلات في الملف الإنساني، وتصريحه لـ«رويترز»، ومواقف سعودية لاحقة للتصريح… هو «تصويب» الرؤية الأميركية للملف لمصلحته، وأن يحجز مكاناً يراعي هواجسه في تعاملات ترامب الجديدة مع ملفات المنطقة، سواء أكانت تصعيداً شاملاً أم بحثاً خلف تسوية هنا وتصعيد هناك.
قال ابن سلمان، ضمناً، إنه مستعد للتخلي عن كل شعارات حرب اليمن (مواجهة «الانقلاب» ودعم «الشرعية» والرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي) مع الاحتفاظ بالمشروع الحقيقي؛ وهو إحباط صعود حركة «أنصار الله» كقوة لا تخضع للوصاية السعودية وتتهدد هيمنة الرياض التاريخية على اليمن، وأن الضغط يجب أن يكون على إيران لا عليه.
بمعنى آخر، شروط ابن سلمان هي: لا قبول بـ«أنصار الله» كشريك وازن ومؤثر في القرار اليمني، ولا تقبّل لخروج الحركة من إقليم شمال الشمال المعزول في يمن فيدرالي تريده الرياض بعيداً من البحر الأحمر وباب المندب والممرات الاستراتيجية، مع بقاء المطلب الملحّ في عزل الحدود وتسليم القوة الصاروخية لليمن وتفكيك البرنامج الصاروخي الآخذ بالتطور، وكلها مطالب لا مجال لتحقيقها، فضلاً عن بحثها مع «أنصار الله»، كما تبقي معركة اليمن في إطار «معركة وجودية» مفتوحة إلى ما لا نهاية.
المتابع للاجتماع الأول من نوعه الذي عقد في الرياض، قبل أيام، لوزراء خارجية ورؤساء أركان الحرب في دول «التحالف» الذي تقوده السعودية في اليمن، يحصل على انطباع بأنه يتابع الاجتماع الأول لحرب بدأت للتو، لا لمعركة تخاض منذ ألف يوم. لكن لا جديد في المشهدية سوى ما تكرر على لسان الجميع: إيران مسؤولة عن «الفشل». وفي ذلك اعتراف ضمني بتعثر العمل العسكري في اليمن، مع دعوة إلى ضغط دولي على إيران، يتوقع أن تخرج الأخيرة منه لتقول لليمنيين: «استسلموا».
تجديد ربط النزاع مع إيران يمنياً يستهدف المطلب السعودي القديم الجديد من طهران، الذي قدم عبر أكثر من وساطة، كان الكويتيون في إحداها، وفيه: نحن مستعدون للتخلي عن هادي ووقف الحرب لكن اضغطوا على «أنصار الله» لتقديم ما يشبه «الاستسلام»، وبعيداً من المقايضة في الملفات الإقليمية. في التوقيت الحالي، رهان آخر في السياق نفسه من بوابة الأميركي، وذلك سعياً وراء ضم ترامب الملف اليمني في دفتر «حساباته» مع طهران.
ألحق ابن سلمان تصريحاته بمواقف متناقضة في الشكل أطلقها فريق عمله في الملف اليمني، ووضعت حديثه إلى «رويترز» في إطار تحديد سقف التسوية المرتفع والضغط على صنعاء لتقديم تنازلات كبرى من دون إغلاق باب التسوية. فوفق السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، لا تزال الرياض تسعى «لتحريك الحل السياسي في الأزمة اليمنية»، وتدعم جهود المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد «في سبيل حل الأزمة وإعادة إحياء المشاورات بين أطرافها». ولفت السفير السعودي إلى أن ولد الشيخ يحتاج إلى «الجلوس مع الأطراف اليمنية لمناقشة كل الأفكار ثم تقديم مقترحاته بعد ذلك».
عضو آخر في «فريق اليمن» لدى ابن سلمان، هو نائب رئيس جهاز الاستخبارات العامة السعودي، أحمد عسيري، دعا المجتمع الدولي إلى الإسهام في «إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية من خلال المبعوث الأممي، الأمر الذي سيضع حداً للأزمة الإنسانية في اليمن». وفي المعلومات المسرّبة من الرياض، فإن الأجواء لدى فريق هادي لم تتبدل عمّا كانت عليه قبل تصريح ابن سلمان وحراك المبعوث الدولي، وهي تفصح لمن يتحدث إليها بأن إسماعيل ولد الشيخ غادر السعودية طلباً للقاءات مع «أنصار الله» لتسليمها المقترحات الجديدة.
على الأرض، بالنسبة إلى «أنصار الله»، لا جديد، والحركة تقول إنها مستعدة لكل الاحتمالات، ورهانها منصبّ على الميدان، حيث كانت أولى رسائل الرد على تصريح ولي العهد السعودي عبر مفاجأة إسقاط مقاتلة «تايفون» بسلاح أرض ــ جو. وترى قيادة الحركة أن ما كان بمستطاع ابن سلمان فعله طوال المدة الماضية قد أقدم عليه، ولم يوفر كل الأسلحة بوجه صنعاء، وفي النتيجة لا أثر يذكر في المعادلة العسكرية بعد جردة ألف يوم من الحرب.
في المتوقع، تشير الصحافة الغربية إلى غياب فرص نجاح مشروع قانون إيقاف دعم الحرب في الكونغرس، في ظل غياب ضغط جدّي من البيت الأبيض، المستفيد من فواتير المعركة. وفي النتيجة، سيكون ابن سلمان رابحاً على هذا الصعيد بتثبيت شروطه أمام الضغوط الديبلوماسية الدولية: خذوا تنازلات في الملف الإنساني، ولا تطالبوني بتنازلات عسكرية وسياسية أمام «أنصار الله».
(الاخبار)