تجلى الرئيس وأخفق الإعلاميون
غالب قنديل
يمكننا الجزم بعد مشاهدة الحوار الذي بثته القنوات اللبنانية مع رئيس الجمهورية بأن الكثير من التردي لحق بإعلامنا الذي تورط في مناكفات وعمليات تحريض وإثارة سياسية لا اخلاقية محورها الحرتقة فخسر الكثير من رصانته وجديته ومهنيته.
للأسف تفوق الرئيس على محاوريه الذين آثر معظمهم الحرتقة على الغاية المهنية المتمثلة باستخراج كمية وافرة من المعلومات والمواقف من الرئيس ميشال عون الذي فتح عقله وصدره بكل إيجابية وعديدة هي العناوين التي تثير فضول أي إعلامي جدي مهتم بجلاء معلومات وتفاصيل يملك الرئيس الكثير عنها من معركة الجرود والتنسيق مع الجيش السوري الشقيق والقيادة السورية وصولا إلى لقاءاته في نيويورك ومباحثاته مع سفراء الدول الكبرى والاختلاف الجذري مع بعضهم حول مستقبل النازحين السوريين في لبنان وما تعرضت له الرئاسة الأولى من ضغوط في مسألتي النزوح والحرب على سورية وفي احتضانها للمقاومة.
في نتيجة اللقاء نجح الرئيس فتجلى هادئا واثقا قويا متمكنا من عرض خياراته ومواقفه بكل واقعية ودراية مبتعدا عن اللغة الشعبوية لصالح تأكيد نهجه الوفاقي الراعي لتنوع الخيارات السياسية في النسيج الوطني اللبناني دون تجاهل ما هو قائم من اختلاف حول ما يدور في المنطقة من حولنا ومن غير أن يتراجع قيد أنملة عن خيار المقاومة.
بدت الحلقة مرتجلة رغم التقاريرالباهتة التي أعدت للمناسبة ومهنيا كان يمكن لهذه التقارير ان تكون أغنى بالمعلومات والوقائع كما كان ممكنا إجراء استطلاع رأي متخصص يعكس اتجاهات الرأي العام في النظر إلى حصاد السنة الأولى من العهد على جميع الصعد الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والإدارية مع العلم ان حدثا بارزا كقانون الانتخاب النسبي لم يعط مكانته من الأهمية بما يمثله من نقلة كبرى في الحياة السياسية اللبنانية بينما لم يطرح الزملاء أي سؤال فعلي عن علاقة الرئيس بحزبه وبحلفائه خلال هذه السنة بل حين ورد الأمر غلبته حرتقات من نوع مونة الوزير باسيل ومكانته في صنع القرار.
نقطة اخرى وهي إادارة الحلقة التي كانت رخوة فقد بدا الزميل الأستاذ رفيق شلالا وهو المهني المتمكن كمن يستعجل ليقول كلمته ويمشي بعد تسمية المحاور الأول في العنوان العريض الذي يختاره لكل محور مفلتا زمام الحوار للإعلاميين الذين لم يتداولوا الفرص بينهم بعدالة ولم تكن أسئلتهم دائما في مستوى وأهلية استدراج المعلومات والوقائع من رئيس للجمهورية حول جميع القضايا والعناوين الراهنة التي تشغل الناس او قد تهمهم .
غابت وربما غيبت مسألة الضغوط الخارجية التي تعرض لها الرئيس خلال هذه السنة ومحاولات تعديل مواقفه والتأثير على خياراته الكبرى كما طمس موضوع المخيمات وحق العودة والعلاقات مع الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير .
ومستقبل العلاقات اللبناية بكل من إيران وسورية غاب كليا عن الحوار مع أن أجوبة الرئيس عون فتحت الباب مرتين بشأن ذلك ولا من يلتقط الفرصة لتطوير النقاش وكذلك موضوع العلاقات بين الرئيس ميشال عون وكل من الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والبطريرك الراعي والسيد جنبلاط رغم جاذبيته “الحرتوقية” لم يطرح كليا.
كان الرئيس هادئا رصينا ومباشرا في اجوبته وقد برز تمسكه بالوفاق الداخلي وخياره الصلب مع المقاومة في وجه ترداد بعض الإعلاميين لأصداء مواقف سياسية معروفة فكان الرئيس احتوائيا وصلبا في الوقت عينه بينما تصرف محاوروه كشخصيات سياسية تخوض حوارا بدوافع انتماءاتها فحسب وليس لأي حافز مهني ينطوي على بعض الفضول.