مقالات مختارة

انتخابات 2018: واقعة… لكن ليست حتمية: نقولا ناصيف

 

بات تطبيق قانون الانتخاب أكثر تعقيداً من وضعه. ما تواجهه اللجنة الوزارية المعنية أسوأ بكثير مما أقبلت عليه تلك التي سبقتها إلى وضعه طوال ستة أشهر، ما بين كانون الثاني وحزيران من السنة الحالية

في وقت لاحق على التصويت على القانون الجديد للانتخاب في مجلس النواب، في حزيران، صعدت أصوات صانعيه تنادي بتعديله، ثم أتى تأليف لجنة وزارية للخوض في سبل تطبيقه. فإذا هي تقع في فخ تفسيره توطئة لإيقاع انتخابات الربيع المقبل في فخ تعذر إجرائها ربما.

طوال الاجتماعات المنصرمة حتى البارحة، مع حمل التباين إلى مجلس الوزراء الخميس، تجمّدت مشكلة اللجنة الوزارية في بندين: أولهما البطاقة البيومترية بعدما صرف مجلس الوزراء النظر عن البطاقة الممغنطة، وثانيهما التسجيل المسبق للمقترعين في أماكن سكنهم. شأن ما رافق وضع القانون طوال أشهر من الانقسام والتعارض والتنقل من صيغة إلى سواها، ومن إحصاءات واحتساب أصوات إلى أخرى، قسّم وضع آلية تنفيذه اللجنة المعنية إلى فريقين حيال هذين البندين. لا يسع أيّاً منهما تجاهل الآخر، ولا فرض وجهة نظره عليه. إلا أن تباعدهما لا يذهب بهما تالياً، بالسهولة المتوخاة والمتوقعة، إلى انتخابات 2018.

تصر حركة أمل وحزب الله على التسجيل المسبق، بينما يرفضه التيار الوطني الحر وتيار المستقبل اللذان يصران على البطاقة البيومترية، فيما لا يعارضها الفريق الآخر إلا أنه لا يتحمس لتوقيت إنجازها الآن. تحت وطأة هذا التباعد، يجبه القانون الجديد للانتخاب أزمة لم يسبقه إليها أي من القوانين المتعاقبة: الخلاف على تطبيقه والتوجس منه قبل أن يُطبّق حتى، وإن لمرة واحدة، وقبل اكتشاف ثغر آليته بتعويله على النسبية للمرة الأولى نظاماً للاقتراع. في ما مضى اشتُكي من قانون الانتخاب في ضوء نتائج الانتخابات التي تسبب فيها، أو جراء فرض تقسيم دوائره على نحو راح يفضي إلى التلاعب بالنتائج، أو تبعاً لدور سلبي اضطلعت به وزارة الداخلية على غرار ما رافق انتخابات الحقبة السورية. بيد أنها المرة الأولى ــ إذا كان لا بد من الأخذ في الاعتبار أن قانون 2008 مستعار من قانون 1960 ــ تتفق الكتل النيابية كلها على قانون انتخاب عدّته لبنانياً مئة في المئة، بإرادة داخلية لا أصابع خارجية فيه. سرعان ما استعجلت الكتل نفسها إثارة الشكوك فيه ومحاولة التنصل منه.

اين تكمن المشكلة: في القانون أم في انتخابات 2018؟

في حصيلة الاجتماعين الأخيرين للجنة الوزارية، الأربعاء والجمعة، خرج وزراء يمثلون كتلاً رئيسية مؤثرة بانطباع مفاده الآتي: المشكلة في القانون أم في الانتخابات النيابية نفسها؟

تكمن مشكلتا الطرفين في معطيات من بينها:

1 ــ لا سبيل إلى اقتراع الناخبين في أماكن سكنهم، في غياب البطاقة البيومترية، إلا بالتسجيل المسبق كي تنشأ، بناءً على لوائحهم، مراكز اقتراع في أماكن سكنهم هذه تستند بدورها إلى قيود شطب تُعَدّ لهذه الغاية وتودع في مراكز الاقتراع المحدثة، فيتمكن الناخب من الاقتراع في الدائرة التي يقيم فيها، ما يوفر عليه مشقة الانتقال إلى مسقطه للتصويت فيه. من دون تسجيل مسبق لا خيار أمامه سوى الاقتراع في مسقطه.

2 ــ مع إدراك فريقي الاختلاف أن العمل بالبطاقة البيومترية متروك لانتخابات 2022، ولم يعد الوقت يتيح تحضيرها وإنجازها في الأشهر السبعة الباقية قبل موعد انتخابات أيار، إلا أن التيار الوطني الحر وتيار المستقبل يصران على مباشرة العمل بها وتلزيمها سلفاً، وإن مؤجلة المفعول. كان ردّ حركة أمل وحزب الله ــ وهما يؤكدان تأييدهما لها ــ أنهما ليسا واقعين تحت وطأة العجلة، ولن يوافقا على الطريقة المطروحة لتلزيمها، ويتمسكان بإجراء التلزيم وفق مناقصة. يقولان ــ وهو ما يفصح عنه دائماً رئيس المجلس نبيه بري ــ إن الوقت متسع لتحضير البطاقة البيومترية للدورة الانتخابية المقبلة بعد أربع سنوات ونصف سنة، ومن ثم توزيع أربعة ملايين بطاقة على امتداد السنوات الأربع المقبلة. في غياب البطاقة الممغنطة، تحوّط قانون الانتخاب لتعذر إنجازها، بإتاحة الاقتراع ببطاقة الهوية، على أن يصوت الناخب في مكان قيده.

3 ــ بعدما باتت مهمة اللجنة الوزارية مقصورة على سبل تطبيق القانون، وإيصاد الباب على أي تفكير في إدخال تعديلات عليه، يبدو الخلاف على الجانب التقني فيه، وتفسير بعض أحكامه، في منزلة الخلاف على القانون برمته. كلا الطرفين لا يقللان من هذا الخلاف رغم جزمهما بأن البلاد ذاهبة حتماً إلى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. بذلك يشاع في أوساط اللجنة الوزارية أن الخلاف على البطاقة البيومترية لن يقف في طريق الوصول إلى الاستحقاق إذا كان القرار الفعلي هو حصول الانتخابات في موعدها.

يسلّم أصحاب هذا الرأي بأن عامل الوقت تجاوز فرص إعادة الخوض في القانون وتعديل بعض بنوده، خصوصاً أن الحذر والتوجس مما قد يفضي إليه لا يقيم في بعض آلياته التقنية، وإنما في قواعده الصلبة المتصلة بالاقتراع النسبي أولاً، وبتأهل اللائحة لنيل حصتها من مقاعد الدائرة الانتخابية ثانياً، وباحتساب الصوت التفضيلي المؤهل للفوز بالمقعد.

4 ــ ليس لأي فريق أو كتلة نيابية أن تحسب القانون الجديد للانتخاب قانونها هي، وسُلّمها الذي تصعد به لنيل أكبر عدد ممكن من المقاعد. عند إقراره تقلّبت صيغ شتى أخذت في الاعتبار اقتراحات معظم الكتل الرئيسية، كي ينتهي به المطاف قانوناً أيدته كلها، وقد راعى حساباتها السياسية والانتخابية المتباينة وقدّر توقعاتها إلى حد. هو بذلك مشروع التقت عليه الكتل جميعاً، بينها مَن قال سلفاً إن القانون يخسّرها مقاعد اعتادت الحصول عليها منذ انتخابات 1992. بذلك نجم الحذر المتأخر لمَن باتوا متحفظين عن هذا القانون الآن من خشيتهم من التحالفات الانتخابية المقبلة. وحدها التحالفات القوية، الموثوق بها والمجردة من السكاكين، تقرّر تأهل اللائحة للفوز بمقاعد قبل الوصول إلى احتساب الصوت التفضيلي لتحديد المقعد الفائز.

الواضح أن طبيعة علاقات الكتل والتيارات بعضها ببعض، أضحت الآن في موقع بعيد مما كانت عليه غداة انتخاب الرئيس ميشال عون في مرحلة أولى، وغداة التوافق على قانون الانتخاب. تشعّبت التناقضات ومظاهر التباعد. افترق حلفاء الأمس القريب، وراح كل منهم يبحث عن حليف جديد قوي في الدائرة الانتخابية أكثر منه في الخيارات السياسية.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى