شبكة أمان استراتيجية للأمن الإسرائيلي: آييلت نحميا ـ فيربن
عندما جمع إيتان هابر رجال المكتب في غرفة الجلسات وقال لنا إنه يحتاج الآن لأن يعنى كل واحد منا بأمر واحد فقط ـ الاستعدادات لاحتفال التوقيع على السلام مع الأردن ـ لم أسمع رفيف أجنحة التاريخ. فاليوم طواه الليل والليل طواه النهار، ونحن انشغلنا كخلية النحل في الاعدادات اللوجستية للاحتفال. وفقط عندما تلقيت الدعوة الجميلة التي صممها الحائز على جائزة إسرائيل دان رايزند وملأنا بعناية أسماء من سيحظى بالجلوس في مقدمة الاحتفال، بدأنا نفهم .
16 تشرين الأول 1994 كان يوما تاريخيا بالنسبة للشرق الأوسط. من الصعب بل حتى من المخيف أن نتصور المنطقة من دون هذا الاتفاق. ومع كل الارتفاعات والانخفاضات في العلاقات، فإن الثبات النسبي على الحدود الشرقية هو أمر ذو أهمية استراتيجية. ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن سحق هذه العلاقات بسهولة. فالعلاقات مع المملكة الهاشمية على مدى عشرات السنين قبل اتفاق السلام كانت وثيقة للغاية. وقد كان فهم بسيط في الجانب الإسرائيلي بأنه فضلا عن المصالح، فإن الاحترام ومنظومة العلاقات الشخصية هي المفتاح الدبلوماسي للهدوء النسبي.
لقد كتب الكثير عن شخصيات مركزية أدارت علاقات قريبة مع القصر، لا سيما مع الملك حسين الراحل ـ هكذا حُلت أزمات بحجم كبير كمحاولة اغتيال خالد مشعل. شبكة العلاقات هذه تعاظمت إلى جانب الجهود في الخلفية لحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، الذي تسلل بل وسيتسلل إلى أعماق العلاقة الإسرائيلية ـ الأردنية.
لقد أثارت الحادثة الأخيرة مع حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان، الذي عاد إلى البلاد بسلام تساؤلات حول مدى فهم الحكومة الحالية للحاجة إلى الحفاظ على بنية العلاقات مع القصر وتعزيزها. فلا بد أنه كانت حاجة لإعادة الحارس إلى البلاد. ولكن صورته وهو يعانق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت كزق أصبع في أعين الأردنيين ـ وهو أمر لم يكن ضروريا على نحو ظاهر.
كثير منا يتذكرون صورة أخرى من عام 1997: الملك حسين ينزل على ركبته في بيت شيمس أمام عائلات البنات اللواتي قتلهن الجندي الأردني في نهرايم. وقد عبرت هذه الصورة ليس فقط عن الاحترام، الحزن والمشاركة في العزاء بل أهمية منظومة علاقات قوية متينة، حقيقة أنه برغم الفقدان والثكل، ثمة أمل وإيمان بمستقبل أفضل لأبناء الشعوب في المنطقة. بعد 23 سنة من توقيع الاتفاق إياه الذي عرض فيه الزعيمان على «الأم الإسرائيلية والأم الأردنية»، مثلما قال رئيس الوزراء في حينه اسحق رابين في خطابه في الاحتفال، أفقا سياسيا آخر فإن مكان شبكة العلاقات هذه يتغير ويتوجب أن يقلق من يؤمن بالخيار الإقليمي. في نهاية ذاك الأسبوع الذي وقع فيه الاتفاق سافر رابين، لأول مرة من دون أن يكون متخفيا، إلى المغرب لحضور المؤتمر الاقتصادي الإقليمي الأول. عشرات السنين من شبكة العلاقات الخفية على العيان خرجت إلى نور الشمس.
في الاحتفال إياه سمعنا رفيف أجنحة التاريخ، تماما مثلما سمع أيضا على العشب الأخضر في البيت الأبيض في 1979 مع المصافحة الثلاثية لبيغن ـ السادات ـ كارتر. لأسفنا، ضعف رفيف الأجنحة جدا منذئذ، والحكومة الحالية لا تحاول خلق مسيرة سياسية طويلة المدى أو تعميق موقعنا في المنطقة بوسائل دبلوماسية والدفع إلى الأمام بتسوية للمسألة الفلسطينية. بعد 23 سنة من ذاك اليوم التاريخي على حدود إسرائيل والأردن، محظور أن ننسى أن في الشرق الأوسط لا تكفي المصالح والقوة العسكرية بل مطلوب شبكة علاقات قوية عميقة لضمان أمننا على مدى السنين.
معاريف