السعودية تقر بالنفوذ الروسي في الشرق الأوسط: تسفي مغين ويوئيل جوجانسكي
الزيارة التاريخية للملك سلمان إلى موسكو حملت أهمية كبيرة للدولتين. فللسعودية وروسيا سلسلة من المصالح المشتركة، على رأسها السعي إلى استقرار أسعار النفط، وكذا شراء وسائل قتالية وتكنولوجيا نووية واهتمام بالاستثمارات المشتركة. وفضلًا عن ذلك، تفهم موسكو أن ليس فقط من الصعب عليها أن تزيد نفوذها في الشرق الأوسط من دون تحسين علاقاتها مع الرياض، بل إن للرياض لا يزال نفوذ لا بأس به على قوات المعارضة للأسد، وبالتالي على فرص التسوية في سورية، بل ونفوذ على قوات إسلامية في روسيا نفسها .
في بداية تشرين الأول زار روسيا ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، ووصفت الزيارة في السعودية بالتاريخية، سواء لأن هذه كانت الزيارة الأولى للملك السعودي الحالي إلى موسكو (فقد زار سلمان روسيا في 2003، حين كان وليا للعهد) أم بسبب المواضيع التي بحثت فيها. روسيا هي الأخرى أولت الزيارة أهمية شديدة لاعتبارها السعودية دولة أساس في الشرق الأوسط، واعتبرت الزيارة بالفعل إنجازا من ناحيتها، اعترافا من السعودية بنفوذها في المنطقة. وفضلًا عن سلسلة الاتفاقات الاقتصادية التي وقعت في أثناء الزيارة، ليس واضحا بعد أي تفاهمات سياسية ملموسة، هذا إذا كانت على الاطلاق، قد توصل إليها الطرفان، ولكن غذا ما نجحا في الوصول إلى توافقات في الموضوع السوري، فقد تكون لهذا إسهامات حقيقية في تقصير الحرب الأهلية في الدولة.
منذ إقامة العلاقات بين السعودية وروسيا في 1991، بعد سنوات من العداء الطويل، تتواصل العلاقة والتعاون الثابتين بين الدولتين. وقام الرئيس فلادمير بوتين نفسه بزيارة السعودية في 2007. ومع أن العلاقات بردت في 2011 على خلفية التأييد الروسي لنظام بشار الأسد، ولاحقا، في 2015، بسبب التدخل الروسي عمليًا إلى جانبه في الحرب الأهلية. ولكن في السنة الأخيرة يظهر تقارب متجدد بين الرياض وموسكو. وذلك على ما يبدو عقب فهم سعودي بأن يدها باتت الآن هي السفلى في كل ما يتعلق بما يجري وبصورة الوضع في سورية. يحتمل أيضا أن تكون العلاقات في ميل تحسن في أعقاب عدم اليقين في السعودية بالنسبة لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.
لقد وجد التحسن في العلاقات تعبيره في حجم التجارة بين الدولتين وفي التوقيع على سلسلة اتفاقات في مجال النفط والمشتريات الأمنية. كما أن حجم الزيارات المتبادلة ازداد بما يتناسب مع ذلك. ففي أيار 2017 زارت الرياض رئيسة البرلمان الروسي، فالنتينا متباينكو ـ وعندها تلقى الملك سلمان دعوة رسمية لزيارة موسكو. زيارة وزير الطاقة الروسي، الكسندر نوبيك، إلى السعودية، قبل ذلك، جاءت للبحث في الاتفاقات بشأن تقليص إنتاج النفط. وفي أيار زار موسكو أيضا ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان، وبحث هناك في مواضيع الطاقة والمسائل الأمنية والإقليمية على جدول الأعمال. وفي أيلول الماضي زار السعودية وزير الخارجية الروسي، سرجي لافروف، في محاولة لوضع روسيا وسيطا في الأزمة بين قطر وبعض جيرانها في الخليج.
المواضيع الأساس على جدول الأعمال المشترك بين السعودية وروسيا:
أ ـ تصميم التسوية المستقبلية في سورية ـ للسعودية مصلحة واضحة في أداء دور مؤثر في الملعب الإقليمي، حيث تصبح روسيا هناك لاعبا مركزيا. وبشكل محدد، فإن السعودية معنية بضمانة روسية لمكانة السكان السنّة. كما تسعى المملكة إلى التأثير في موسكو لحصر النفوذ الإيراني في سورية. أما روسيا من جهتها، التي يوجد بينها وبين طهران خلافات في موضوع سورية وفي مواضيع إقليمية أخرى، معنية بألا تعتمد على إيران فقط كقوة محور إقليمي، وعليه فهي تحرص على التقدم في علاقاتها مع عموم الدول السنّية المهمة. وأملت السعودية في أن تساعد مقدراتها الاقتصادية في التأثير في سياسة روسيا في الشرق الأوسط بشكل عام وفي سورية بشكل خاص. وذلك في شكلين: من خلال محاولة رفع ثمن التدخل الروسي في سورية، ومن خلال محاولة عرض حوافز اقتصادية مختلفة على الروس مقابل هجران الأسد. وقد فشل هذان السبيلان. وفي الرياض يسود فهم بأن نظام الأسد والقوات الموالية له ستبقى وستحكم القسم المهم من سورية في المدى المنظور. ومن غير المستبعد أن تكون تتحقق الآن في الرياض تعديلات متجددة للسياسة تجاه الساحة السورية.
ب ـ المستوى الاقتصادي ـ في مجال النفط، توصلت السعودية وروسيا لأول مرة إلى تفاهمات بشأن سياسة انتاج النفط المرغوب فيها، بل ووقعتا اتفاقا (سينفذ قريبا) لتقليص انتاج النفط، وذلك لضمان أسعار مستقرة في هذه السوق. ويرى السعوديون بالتفاهمات في مجال النفط رافعة إضافية للتأثير في روسيا في المواضيع السياسية. موضوع آخر هو الاهتمام الشديد من جانب السعودية بالمساعدة التكنولوجية ـ النووية. ففي أثناء زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قيل إنه وقعت اتفاقات لمشروعات تكنولوجية بمقدار 10 مليارات دولار. كما علم أن الأمير وقع معاهدة تعاون نووي ـ مدني. وفي خلفية الأمور، فإن حلفاء مركزيين للرياض، وعلى رأسهم اتحاد الإمارات العربية، يعززون هم أيضا، سواء العلاقات الاقتصادية أم الأمنية مع موسكو. وذلك، كوزن مضاد لإيران، ناهيك عن أنه واضح أنه في المدى المنظور لن تتمكن هذه الدول من تفكيك الشراكة بين طهران وموسكو، التي يحركها ضمن أمور أخرى، الخوف من الإسلام السنّي الراديكالي.
ج ـ الوسائل القتالية ـ جرى في الماضي الحديث عن اهتمام سعودي بشراء وسائل قتالية من روسيا، وقبل نحو خمس سنوات عُلم أنه وقع بين الدولتين عقد مشتريات بمبلغ 20 مليار دولار. ولكن هذا الاتفاق لن يخرج إلى حيز التنفيذ، وذلك ضمن أمور أخرى، بسبب خلاف بين الرياض وموسكو حول سلوك إيران في الشرق الأوسط، خاصة في سورية. ويدور الحديث الآن عن صفقة كبيرة مدماك مركزي فيها هو توقيع مذكرة تفاهم في موضوع شراء المنظومة الروسية المتطورة المضادة للطائرات «اس.400».
د ـ جوانب عالمية ـ روسيا، التي كما أسلفنا، تعتبر السعودية دولة مركزية في الشرق الأوسط، معنية بإبعاد الرياض عن واشنطن، ناهيك عن أن موسكو على وعي بأهمية الولايات المتحدة لأمن المملكة. أما من ناحية السعودية، فإن تحسين العلاقات مع روسيا يفترض أن يشكل تعويضا محتملا لحالة تكرار البنود في العلاقات مع الولايات المتحدة.
لقد كانت السعودية حتى وقت أخير مضى الرمز اليميني في المحور السنّي في معارضته لروسيا، فيما كانت مصر والأردن لا تشاركانها هذا الموقف. وباستثناء الخلاف بين الدول في مسألة سورية، لا تزال توجد بينها رواسب من الماضي تجعل من الصعب تسخين العلاقات، وذلك ضمن أمور أخرى، بسبب الدعم السعودي للمجاهدين في أفغانستان والثوار في الشيشان. ومع ذلك، فإن للرياض وموسكو سلسلة مصالح مشتركة على رأسها السعي إلى استقرار أسعار النفط ـ في هذا الموضوع نشأ بينهما تعاون ناجح ـ وكذا شراء وسائل قتالية وتكنولوجيا نووية والاهتمام بالاستثمارات المشتركة. فضلا عن ذلك، تفهم موسكو بأن ليس فقط من الصعب عليها أن تزيد نفوذها في الشرق الأوسط من دون تحسين علاقاتها مع الرياض، بل إنه لا يزال للرياض تأثير لا بأس به في قوات المعارضة للأسد. وبالتالي احتمالات التسوية في سورية، بل وتأثير في قوات إسلامية في روسيا نفسها.
وبالنسبة لإسرائيل، في روسيا يتابعون باهتمام الخطاب حول التقارب السعودي ـ الإسرائيلي كجزء من بلورة جبهة إقليمية مضادة لإيران. كما أن موضوع المسيرة السياسية الإسرائيلية الفلسطينية احتل مكانا، وإن كان كما يبدو هامشيا، في المحادثات التي دارت في زمن زيارة الملك السعودي إلى موسكو، وذلك كجزء من جهود روسيا لإحياء المسيرة بقيادتها أو على الأقل بمشاركتها.
نظرة عليا