مقالات مختارة

انتقدوا روحاني… غابت الرياض وواشطن عن السمع.. زاد «قلق» الحلفاء!: ابراهيم ناصرالدين

 

اذا كان رد فعل رئيس الحكومة سعد الحريري، وكتلة تيار المستقبل، وحلفاء السعودية، وواشنطن، والامارات، على الساحة اللبنانية تجاه تصريحات الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني الذي صارح «الامة الايرانية» بمكانة بلاده في المنطقة والعالم، مجرد «زوبعة في فنجان»، وتصريحات لا «تغني ولا تثمن عن جوع»، فان غياب «الصدى» الخارجي لهذه المواقف زاد من عامل القلق لدى هذا الفريق السياسي الذي قضى الساعات القليلة الماضية في تقصي اخبار القائم بالاعمال السعودي في بيروت، والوزير تامر السبهان، اللذين لم يتواصلا كالعادة مع احد للثناء على مواقف مماثلة كانت تصدر في السابق، فيما غابت السفارة الاميركية عن السمع

في هذا الوقت اتصل احد السفراء المعتمدين في لبنان بإحدى الشخصيات السياسية «الصديقة» مستغربا الحملة على تصريحات الرئيس الايراني، خصوصا تعليقات رئيس الحكومة ، وتساءل ذلك الديبلوماسي مستهجنا، هل هي مجرد مزايدات انتخابية داخلية؟ ام ان هؤلاء يعيشون في «كوكب آخر» ولا يدركون ما يحصل من حولهم؟ وتابع يقول «اذا سئل الرئيس الاميركي دونالد ترامب عما اذا كان من الممكن، في العراق وسوريا ولبنان وشمال افريقيا والخليج الفارسي، اتخاذ قرار حاسم من دون أخذ الموقف الإيراني في الاعتبار؟ فلن يتمكن من نفي ذلك؟ وسيؤكد المؤكد الذي لا ينكره الا من يهوى «دفن راسه» في الرمال، ويعيش حالة «انكار للواقع».

واللافت بكلام تلك الاوساط، جزمها ان هناك حقيقة لا يمكن تجاوزها في المنطقة، فإيران ومعها محور المقاومة انتصروا، ثمة مشروع آخر هزم، واذا كانت الواقعية السياسية «والتواضع» قد فرضت على روحاني الحديث عن وجود شركة حتمية لطهران في حل النزاعات القائمة في تلك الدول، فان من انزعج عليه ان يحضر نفسه لمرحلة لاحقة اشد قتامة، حينها سيكون محور المقاومة قادرا على فرض شروطه ورؤيته للتسوية، دون الاخذ في الاعتبار حفظ «ماء وجه» الاطراف الخاسرة

اوساط وزارية بارزة تتلاقى مع هذا الكلام الديبلوماسي، وتشير الى ان رئيس الحكومة سعد الحريري يدرك جيدا ان سياسات طهران في المنطقة تمر عبر «حارة حريك»، وهو يعرف مثل الاخرين ان «الكلمة الفصل» تبقى للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يحظى بثقة عمياء من المرشد الاعلى السيد علي خامنئي، ومن قيادة الحرس الثوري وعلى رأسها الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذي يحظى «بقناة» اتصال مفتوحة مع السيد، ويوما ما سيتم نشر بعض ما تم اتخاذه من قرارات بين الرجلين كان لها التأثير الكبير في «قلب الموازين» على امتداد الجبهة المفتوحة من اليمن والعراق وسوريا وصولا الى لبنان

وبناء عليه، فان الرئيس الحريري جاء الى رئاسة الحكومة بتسوية رئاسية كان بندها الاول انتخاب حليف حزب الله رئيسا للجمهورية، والرئيس لا يخفي انتماءه الاستراتيجي لمحور المقاومة، ولولا تنازل الحريري في هذا الملف، لما عاد الى السرايا الحكومية، اي انه عاد الى موقعه «بمباركة» ايرانية، فهل يعتقد انه بهذه التغريدة المنتقدة لروحاني يمكن ان يقنع جمهوره اولا واللبنانيين ثانيا، انه جاء بقوة دفع شخصية او بفضل دعم السعودية التي لم تنجح على مدى سنتين ونصف في فرض رؤيتها لتركيبة السلطة في لبنان، ورضخت بعد ذلك لميزان القوى الجديد الذي اختل لمصلحة المحور الاخر…؟!

وتلفت تلك الاوساط، الى ان غياب رد الفعل السعودي والاميركي الذي كان يأتي على شكل مروحة اتصالات «تهنئة» بعد كل تغريدة او تصريح، له سببان: الاول غياب الثقة بالحلفاء وادراك انعدام قدرتهم على الذهاب ابعد من تصريحات غير مجدية، والسبب الثاني، مرتبط بتخبط واضح وغير مسبوق لدى الرياض وواشنطن في التعامل مع التطورات المتلاحقة في المنطقة وقد انضمت اليهم اسرائيل في الساعات القليلة الماضية، وهذا ما اعاد الساحة اللبنانية الى ادنى مستوى في «سلم الاولويات»…

فمن الواضح ان «التفليسة» السياسية تدار بشكل مرتبك وخاطىء، وما قاله القادة اللبنانيون يشبه تصريحات وزير الخارجية الاميركية ريكس تيلرسون، الذي دعا الى سحب «المليشيات الإيرانية» من العراق، في محاولة منه لارضاء السعودية، لكن النتائج جاءت بحسب الاوساط الديبلوماسية بعيدة عن هذا الطموح، وما قاله الديبلوماسي الأول في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدل على عدم فهم اميركي لما يحصل على الارض.

ونقلت تلك الاوساط عن ديبلوماسيين اميركيين مخضرمين قولهم ان تعليقات وزير الخارجية كانت غير واقعية ومربكة، ومن غير الواضح، ما كان يعنيه بتصريحاته التي جاءت بصياغة «خرقاء»، وهو احرج نفسه لأن بيانه كان منفصلاً تماما عن الواقع فالادارة الأميركية تعتقد أنها اللاعب الرئيس في العراق، وان لها تاثيراً كبيراً في الحكومة العراقية، ولكنها اكتشفت متأخرة «الخديعة» وتبين بعد ما حصل في كركوك ان إيران لديها تاثير أكبر وبلا حدود هناك… واليوم تراجع واشنطن استراتيجيتها لاقامة تحالف بين السعودية والعراق بعد ان اكتشفت ان السعوديين لم يعودوا مهتمين بالامر لصعوبة المنافسة مع ايران هناك، وهذا ينطبق ايضا على الساحة اللبنانية

هذا الارباك على الساحتين اللبنانية والعراقية، حصل مثيل له في اسرائيل قبل ساعات من خلال تصريحات وزير الامن الاسرائيلي افيدغور ليبرمان الذي انهالت عليه التعليقات الساخرة، والغاضبة في آن واحد، من المؤسسة العسكرية والكتاب والمعلقين، عندما اتهم حزب الله بجر بلاده الى حرب مع سوريا عبر استهداف مواقع الاحتلال في الجولان، وقد اجمع الخبراء الاسرائيليون على القول ان الحديث يدور هنا عن سياسة أمنية وهمية، وعرض عابث من زعامة ترى فقط «طرف أنفها»، وكأن العالم من حول اسرائيل لم يتحرك في العقود الأخيرة… وذلك مع الاقرار بأن إسرائيل لم تعد جزءا من المعادلة، وقالوا صراحة «ليس مصادفة أن احدا لم يتوقف عند رأيها لدى توقيع الاتفاق النووي مع إيران، واليوم هي خارج دائرة القرار في التسوية السورية وما تفعله الان هو «نطح الحائط» بالرأس».

امام هذا الوضع البائس، يصبح مفهوما لماذا لم تعد واشنطن والرياض مهتمتين بالساحة اللبنانية، وكذلك يمكن فهم حقيقة القلق لدى الحلفاء في بيروت حيال مصير مجهول معلق على «حكمة» السيد نصرالله الذي يدير التوازنات بالكثير من الوعي الوطني، كان ثمة رهان لدى حلفاء واشنطن على استراتيجية اميركية تقودها وزارة الدفاع وتواصل العمل عليها من خلال احتضان المؤسسة العسكرية علّ ذلك يساهم في تقليص حضور حزب الله تمهيدا لحل «معضلة» السلاح، لكن ما تعمل عليه واشنطن في العراق زاد من «ذعر» هذا الفريق، فعلى الرغم من حديث وزارة الخزانة الاميركية عن فرض المزيد من العقوبات على الحزب لمحاصرته، وعلى الرغم من تصريحات تليرسون «الجوفاء»، تشير المعلومات الى ان الاميركيين يريدون قوى امنية عراقية واحدة مسؤولة امام الدولة العراقية لكنهم يطرحون دمج «الحشد الشعبي» في هذه القوات، اي تشريعها، وهذا ما يخشاه حلفاء واشنطن في بيروت ازاء تعامل اميركي مماثل مع ملف حزب الله…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى