مقالات مختارة

الحرب الإسرائيلية الرقيقة… عقل أكثر ودبابات أقل: اليكس فيشمان

 

وكأن بالعناوين أخذت من القرن السابق: السوريون يطلقون الصواريخ نحو أراض مفتوحة، إسرائيل تدمر ردا على ذلك مدافع سورية، الإيرانيون يهددون بنشر قوات شيعية في سورية، إسرائيل تعلن «خطوطا حمرًا» وتهدد بمواجهة عسكرية، حماس وفتح تجريان اتصالات عقيمة حول حكومة وحدة، رئيس الوزراء يعلن مقاطعة للفلسطينيين، والكل هنا يصفقون للقيادة السياسية ـ الأمنية. ها نحن أريناهم ما هو الردع .

غير أن الحديث يدور هنا عن سياسة أمنية وهمية، عرض عابث من زعامة بصعوبة ترى طرف أنفها، وتنشغل من الصباح حتى المساء بإطفاء الحرائق. هذه زعامة ترى الأمن القومي عبر القشة الإقليمية الرقيقة. كل ما هو ليس حزب الله، حماس وإيران ـ وكأنه غير موجود. وكأن العالم من حولنا لا يتحرك في العقود الأخيرة ونحن لا نزال عالقين في عصر الحلول بالقوة على نمط إعمال عمليات الرد والعقاب بصفتها الفعل السياسي ـ الأمني المركزي. فالقيادة السياسية ـ الأمنية الحالية لا تحل المشاكل، لا تواجه المشاكل، بل ببساطة تدحرها إلى الجيل التالي من خلال ممارسة القوة.

مفهوم الأمن الإسرائيلي، إذا كان ثمة شيء كهذا، تبلور في موعد ما هناك في عصر الحرب الباردة. كانت في حينه قوتان عظيمتان ـ الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. كانت لهما سيطرة كاملة على انتاج واستخدام السلاح النووي. ووضعت القوتان العظيمتان على مدى السنين قواعد لعب خلقت الردع المتبادل. واحتمال أن تشعل مواجهة محلية في زاوية ما من المعمورة في ذاك الوقت نزاعا نوويا كان احتمالا طفيفا. في حرب الأيام الستة وفي حرب يوم الغفران هدد الروس باستخدام السلاح النووي بلجم الانجاز الإسرائيلي. ولكن مشكوك أنهم كانوا مستعدين لأن يدخلوا بسبب ذلك في مواجهة نووية مع الأمريكيين.

غير أن الأزمنة تغيرت. اليوم يوجد في العالم تسع دول نووية، وهي تعمل في ساحات مختلفة، في ملاعب مع قواعد لعب مختلفة، وتهدد باستخدام سلاحها النووي حتى في النزاعات المحلية. الهند ـ الباكستان مثلا. لا توجد اليوم قوانين لعب واضحة. لا توجد اليوم رقابة على كمية الصواريخ التي تحمل رؤوسا متفجرة نووية. والباكستانيون حتى لا يكلفون أنفسهم عناء انتاج الصواريخ التي يمكنهم أن يعطلوها بعد الإطلاق، إذا ما وقع خطأ وأحد لا يفهم منطق كوريا الشمالية. ولا غرو أن اليابان وكوريا الشمالية توجدان على شفا التحول إلى دول نووية، والإيرانيون يسيرون في أعقابهما.

العالم اليوم هو أكثر خطرا بكثير من ناحية التهديد النووي مقارنة بالستينيات والثمانينيات من القرن العشرين. وهذا سيُتفهّم في العقد المقبل، حين ستنضم إلى الدائرة الدموية دول أخرى. في عالم متفجر كهذا ينبغي جدا الحذر وليس مهما في أية زاوية على وجه المعمورة. فعندما تقصف اليوم في سورية عليك أن تأخذ بالحسبان أنه قد تنشأ ردود فعل متسلسلة إقليمية أقل وعالمية. وبذات القدر يمكن لهذا أن يصل إلى هنا على خلفية أزمة بين الهند والباكستان، أو نتيجة أزمة نووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.

في مثل هذا الوضع، من اللعبة النووية غير الواضحة، تستند دول في العالم بقدر أقل على استخدام القوة العسكرية لحل المشاكل، وبقدر أكبر على استخدام «القوة الرقيقة». يدور الحديث عن كل تلك الآليات التي لا تشغل سلسلة تفجير من أ جل تحقيق الأهداف السياسية. الدبلوماسية، روافع الاتصالات والاقتصاد، الحرب النفسانية، حرب السايبر، نشاطات سرية لقوات خاصة وأجهزة استخبارات، التخفي عند المس بالعدو والإبقاء على «مجالات غموض» كي لا يدفع العدو إلى الرد. باختصار: دبابات أقل وعقل أكثر. ولكن إسرائيل لا تزال ليست هنا. وليس مصادفة أنها دحرت عن الاتفاق النووي مع إيران وأنها تدحر عن الاتفاق في سورية إذ أنها لا تستخدم على نحو سليم، هذا إذا كانت تستخدم، الوسائل «الرقيقة» التي في حوزتها، كي تصل إلى إنجازات إقليمية ـ سياسية. عندما لا تنجح في تحقيق القدرات الرقيقة، فإن ما يتبقى لها هو القصف انطلاقا من العادة القديمة لثلاثة مدافع سورية، وتخلق لدى الجمهور أنك حللت المشكلة.

لدى إسرائيل «قدرات رقيقة». دفع حماس إلى أذرع مصر ودحر الإخوان المسلمين عن غزة هو مثال على إنجاز إسرائيلي ولد من خطوات اقتصادية ودبلوماسية صحيحة. لسنا ملزمين دوما بنطح الحائط بالرأس.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى