حزب الله والتيار الوطني الحر وغلطة الشاطر؟: ناصر قنديل
– مثل العفو عن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع من زاوية كونه لعباً سياسياً بمسار قضائي مكتمل، خللاً كان يمكن تفاديه بقانون يتيح إعادة المحاكمة للذين تصدر بحقهم قرارات قضائية عن المجلس العدلي بعد إخراجهم من مفاعيل قانون العفو. وهو بالضبط توصيف حال جعجع، ما يمنح القوات ومَن أيّد العفو فرصة الإثبات بأنّ الحكم بحقه كان سياسياً وتعوزه النزاهة القضائية كما يقولون، ويحفظ للقضاء مهابته، وعندها يرتضي الجميع مسار إعادة المحاكمة في ظروف سياسية لا يمكن التذرّع بكونها تميل لصالح فريق بوجه فريق، لكن العفو الذي قبله فريق وازن في الثامن من آذار جرى تسويقه كمحاولة لطيّ صفحة سياسية ثبت أنها لم تُطوَ، وتحوّل العفو بنظر المستفيدين منه إلى إثبات براءة وحكم مبرم بإسقاط التهم، بل توجيه الاتهام لكلّ الخصوم وملاحقتهم قضائياً، أمام قضاء شعر بالهزيمة ورفع الغطاء عنه، فراح يصدر الأحكام التي يعتقد بأنها تنسجم مع السياسة، وتعفيه من الإحراج، فخسرنا السياسة وخسرنا القضاء .
– يومها امتنع حزب الله عن المشاركة، رابطاً موقفه بقضيتَيْ اغتيال الراحلين رشيد كرامي وطوني فرنجية وموقف عائلتيهما، وجعجع لم يكن موضوع محاكمة بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي، لكن المشاركين في العفو نيابياً، وعلى رأسهم حركة أمل وتيار المستقبل، قدّموا تبريرهم كلّ على حدة، تيار المستقبل بتقديم أوراق اعتماده لحلف جديد، وحركة أمل بتخطّي مرحلة صعبة من التوترات والاحتقانات بأقلّ الأثمان، بينما احتفل المؤيدون سياسياً للعفو وعلى رأسهم التيار الوطني الحر، باعتباره محواً لنتاج مرحلة سياسية كان التيار برأيهم من ضحايا التهميش خلالها أسوة بالقوات، وكان العفو تعبيراً عن إزالة آثارها.
– منذ ذلك التاريخ توطّدت العلاقة بين معادلات التغيير التي أصابت القضاء، وأصابت السياسة، فصار القضاء يقرأ استباقاً عن السياسة ما تريده، وصارت السياسة مجبولة بالمزيد من عناصر العبث الطائفي والانتخابي، وصارت التحالفات السلطوية الجديدة أشدّ قدرة على التعبير عن المطلوب، فنبشت قضية المقاوم حبيب الشرتوني من الأدراج لتقديم أوراق اعتماد جديدة للعبة الطائفية والانتخابية، وللانتهازية الوظيفية التي هزمت في داخلها العدالة، وسقطتْ معايير القانون بعدما اعتُدي عليها وجرى اغتصابها من السياسة في وضح النهار، فاستسهلت تسليم قرارها غبّ الطلب منعاً لتكرار العدوان والمهانة. فتيار المستقبل يرتاح للعبة تصفية الحساب مع المقاومة كفكرة، في اصطفافه السياسي على الضفة الأميركية السعودية، والتيار الوطني الحر يرتاح لتقديم أوراق اعتماده للعبة المسيحية كممثل شرعي ووحيد، يُنجز بقوة التحالف مع حزب الله ما عجز مَن سبقه إلى السلطة عن إنجازه. وهنا تقول حركة أمل إنها بغنى عن سبب إضافي للخصومة مع التيار الوطني الحر وتأزيم العلاقة معه، وهو يحظى بدعم حزب الله، الحليف المشترك لكليهما، والمعني مثل «أمل» إنْ لم يكن أكثر بقضية المقاومة، ليصير السؤال برمّته عند حزب الله.
– قضية بشير الجميّل ليست قضية المسيحيين ولا قضية حبيب الشرتوني قضية القوميين. والقضيتان ليستا جزءاً من قضايا الحرب الأهلية. فالشرتوني مسيحي مثله مثل الجميّل، وما يفرّقهما الموقف من الاحتلال الإسرائيلي، والقضية ليست اغتيالاً سياسياً، ولا هي خصومة حزبين، ولا هي قضية إلحاح قضائي لملف مستحقّ. فالملف نائم منذ سنوات وقد عاش سنوات في عهد أمين الجميّل ولم يصدر فيه حكم. فالقضية اختصار لعنوان التعامل مع الاحتلال وفكرة المقاومة. وإذا لم يكن البلد ناضجاً لحسمها بمحاكمة المتعامل وتكريم المقاوم بفعل الحساسيات الطائفية ومبالغات اللعبة السياسية وانتهازيتها، فهل من المقبول الإقرار بأنه ناضج لفعل العكس في زمن انتصارات المقاومة، فيُحاكَم المقاوم ويُحكَم عليه، ويعلن المتعامل كبطل جرى الاقتصاص ولو نظرياً من قتلته؟
– الفضيحة هي في كون كلّ المحتفلين بالحكم على الشرتوني، لا يتمالكون أنفسهم عن تبرير العمالة، بصفتها مرة ضرورة ذلك الزمن وتلك المرحلة، ويُمعنون الشرح في ظروفها وملابساتها، أو ينتقلون لمنح صفة الرئاسة والرمزية القيادية لبشير لدى جماعته لفرض تعليق معيار قانوني واحد للموقف من التعامل مع العدو، أو يصلون حدّ الخلط بين العدو وسواه، بالقول تجب محاكمة كلّ مَن تعاون مع غير «إسرائيل» كما تعامل معها، وتعود نغمة «اعرف عدوك»، السوري أو الفلسطيني، التي ميّزت مرحلة بشير، لتنبض بين حروف الكتابات والتصريحات.
– القضية ليست قضية بشير ولا قضية الشرتوني، بل قضية التعامل مع الاحتلال وقد جرى انتهاك ثقافة بكاملها في الحكم المنتَج لإرضاء لعبة رخيصة، وخسرت المقاومة وخيارها الكثير بسبب التهاون مع هذه اللعبة، وأشعلت فتنة كانت نائمة. وهناك مَن أيقظها، فهل كان بمستطاع حزب الله أن يسأل التيار الوطني الحر عن الحكمة من هذه الإثارة القاتلة؟ وهل يستحقّ حجم الربح الافتراضي حجم الخسارة المحققة منها، وها هي الخسارة تقع والربح المفترض يتبخّر، فيعامَل رئيس التيار في احتفال صدور الحكم كدخيل؟
– زمن الانتصارات ترجمته ترسيخ ثقافة المقاومة وتنميتها، وحيث تحول اللعبة الطائفية والسياسية دون ذلك، منع حصول العكس، وترك النائم يغطّ في نومه، فهل هي غلطة الشاطر؟