العمالة وجهة نظر؟!
غالب قنديل
شكل الحكم الصادر عن المجلس العدلي ضد المقاوم حبيب الشرتوني نقطة انطلاق لحملة مسعورة تستنهض خيار العمالة للعدو الصهيوني في المجتمع اللبناني وتمحضه شرعية التعبير عن وجوده وتشكله داخل قوى سياسية محلية أفادت من العفو العام والخاص لشطب إدانتها باغتيالات مشينة ولتهريبها من وصمة جرم العمالة للعدو في سجلاتها بعد اتفاق الطائف ووفاقه الهش الهزاز الذي لم يرس قواعد فهم مشترك للهوية الوطنية والخيارات الوطنية.
التبرير الذرائعي لتسويغ العمالة للكيان الصهيوني تفشى في غضون أيام قليلة على اوسع نطاق وقدم الخونة والعملاء كأبطال لجمهور لبناني موتور طائفيا يجري تجييشه على أبواب الانتخابات عبر حقنه بالتعصب الأعمى الذي يعود بالذاكرة إلى حرب اهلية يتكاذب الزعماء السياسيون في ادعاء طي صفحتها السوداء وفي استذكار ما ولدته من ويلات اجتاحت اللبنانيين بلا استثناء.
لعبت السياسة في القضاء اللبناني من زمن وتاهت السيادة الوطنية عن قوس المجلس العدلي الذي لو حكم القانون في حكمه لاعتبر بشير الجميل رئيسا غير شرعي لأنه جيء به بقوة الحراب الصهيونية وباغتصاب إرادة مجلس النواب على يد قائد قوات الاحتلال الصهيوني أرييل شارون ومندوب الوصاية الأميركية الأطلسية فيليب حبيب وقد كان نواب المجلس الممدد له آنذاك منذ العام 1972 مجلوبين قسرا وقهرا بمخابرات جوني عبده المذعنة لأوامر الغزاة والمحتلين.
المجلس العدلي لم يجر التقصي والاستجواب اللازمين لاستنطاق التاريخ وشهوده في تلك الحقبة وما أفرزته وما مثله بشير الجميل من امتداد صهيوني في عمق لبنان وما شارك في التخطيط له لغزو لبنان وتدميره وإن كان من عذر تخفيفي لبشير في ندمه بعد وقوع الواقعة بما ينقل عن لقائه مع مناحيم بيغن في نهاريا فقد أضاع المجلس العدلي فرصة كشف الحقائق وتكوين رواية لبنانية موثوقة عن حقبة سوداء وكان لابد لتلك الرواية ان تحمل معها الوقائع الصلبة المهملة عن آلاف جرائم القتل التي ارتكبتها الكتائب والقوات قبل تنصيب بشير وبعده وحيث تناقل الناس اخبارا عن إحراق الآلاف في سياراتهم وجرائم خطف وذبح بالجملة أعقبت مصرع بشير وسبقتها مشاركة القوات اللبنانية في محاصرة الصهاينة للعاصمة بيروت وبدء انتشارها في الجبل لارتكاب المجازر الجماعية كما حصل في كفرمتى وسواها.
“العدالة ” باتت استنسابا سياسيا من زمن بعيد في لبنان وهي بعد قرار المجلس العدلي تتحول مطية لتزوير التاريخ والانقلاب على الحقائق ولإحياء العصبيات والأحقاد ولترويج الأكاذيب والروايات المزورة بهدف تضليل الأجيال الشابة وحشدها في حرب اهلية جديدة باردة ام ساخنة بقوة التوتر الطائفي والتحريض العصبي على الآخر المختلف رغم التكاذب والنفاق الشائعين منذ الطائف إلى اليوم.
هل نعيش في دولة سيدة ام في خيمة كراكوز تلفق الحكام والقرارات القضائية على هواها ؟؟ يتبدى الأمر بكل أسف في مسلسل توجيه القضاء والسطو على قراره وهو يتواصل من تخمينات سوليدير وصولا إلى قرار إعدام حبيب الشرتوني وتعويم منطق العمالة بذرائع الدفاع عن الوجود التي لم تدفع قادة وطنيين كبار كالعميد رييمون إدة والرئيس الراحل سليمان فرنجية سوى إلى التمسك بتبني المقاومة والالتزام بخيار الصراع ضد الكيان الصهيوني وهما تعرضا مع السوريين القوميين وسواهم من الوطنيين الشرفاء لاضطهاد وتنكيل وترهيب على يد الكتائب والقوات بلغ حد المذبحة في إهدن والتطاول على العميد واستهداف محازبيه في كل لبنان وقتل وتهجير العديد من الشيوعيين والقوميين وسواهم .
شرط الوفاق الصلب قيامه على مفهوم السيادة الوطنية والاستقلال مجسدا برفض أي تبرير او ذريعة للعلاقة بالعدو الصهيوني سياسية كانت ام اقتصادية ام مخابراتية ام ثقافية فهذا حد فاصل بين حياة لبنان او موته مسموما .
إن حكمة المقاومة في صياغة موقفها قوبلت بتعبيرات رعناء حاقدة تستدعي مبادرة من الدولة ومؤسساتها لقمع فلول الخارجين على الوفاق الذين يطلقون التهديدات ويسعون لرد اعتبار مرفوض لكل عميل ارتكب الخيانة بحق الشعب والوطن.