بقلم غالب قنديل

بيتان اللبناني والمقاوم حبيب الشرتوني

غالب قنديل

يختلق المنطق الطائفي ذرائع شتى لتعامل حزب الكتائب والقوات اللبنانية مع العدو الصهيوني بدافع التبرير الذي يرى العمالة للعدو اضطرارا لمجابهة تهديد وجودي فلسطيني أو طائفي بينما يقوم المنطق المقابل على تشخيص طائفي لعين كان لوثة ووصمة عار في الخطاب السياسي لمعظم الأحزاب والقيادات الوطنية وعلى حساب زعامات مسيحية شريفة رفضت العمالة للعدو وجسدت بنزاهة خيارا وطنيا عروبيا كالرئيس الراحل سليمان فرنجية والزعيم الراحل ريمون إدة وجمهور السوري القومي العريض والعابر للطوائف وقد استهدفت الميليشات المرتبطة بالعدو الصهيوني سائر تلك القوى وارتكبت المجازر بحق انصارها المنكل بهم والتي كانت أبشعها مجزرة إهدن.

التبرير الذرائعي للعمالة ينضح عنصرية في النظر إلى الشعب الفلسطيني وقيادة المقاومة الفلسطينية التي كانت تغطي الكثير من الانتهاكات والارتكابات وترتهن للغرب وللرجعية العربية في سعيها للالتحاق بمسار تصفية قضية فلسطين والاستسلام للعدو والمفارقة انها كانت شريكة مع القيادات الكتائبية وتسند إدارة اموالها ووكالة ممتلكاتها لركن كتائبي هو الشيخ أمين الجميل الذي انتخب رئيسا للجمهورية بعد الاجتياح الصهيوني ووقع اتفاق السابع عشر من أيار وحكم إثر اغتيال شقيقه بشير قائد القوات اللبنانية الذي نصبته الحراب الصهيونية رئيسا على طريقة ما فعل هتلر بتنصيب الجنرال بيتان رئيسا لفرنسا المحتلة.

شكل الاقتتال الطائفي وتوتر العصبيات عباءة متقنة لتلفيق الوفاق اللبناني الذي لم يبن على أسس واضحة في الطائف ولم يسحم ما هو موضع تنازع متجدد حول الحقبة الصهيونية المشينة وتم في مخاضه تحاشي النقاش المستحق في موضوع الهوية الوطنية والمسؤوليات عن مرحلة مضت من تاريخ البلاد كان أخطرها الغزو الصهيوني واغتصاب الشرعية الدستورية بتنصيب رئيس في جلسة غير شرعية وغير دستورية لمجلس نواب غير شرعي لانتهاء ولايته ولمجرد اذعانه للانعقاد تحت الحراب الصهيونية وفي ظل سطوة المحتل الذي استحضر النواب بواسطة وكيل تديره المخابرات الأميركية يدعى جوني عبده اعتقل بعض النواب وساقهم في ملالات عسكرية بأمر من الوصي الأميركي فيليب حبيب وتنفيذا لمشيئة حاكم عرفي صهيوني هو أرييل شارون.

بشير الجميل كان مرشح الصهاينة وارتبط بهم لسنوات وبشهادة أركان الكتائب وخصوصا جوزيف أبوخليل وجورج فريحة وكل من روى فصولا من تاريخ الارتباط بالعدو بأوامر من بشير الجميل ووالده الشيخ بيار والرئيس الراحل كميل شمعون الذي سمى قائدي ميليشا العملاء في الشريط الحدودي بنفسه من بين محازبيه من ضباط الجيش اللبناني وقد لباه الصهاينة في المرتين مع سعد حداد وانطوان لحد .

هذه الوقائع التي يتحاشى كثيرون الخوض فيها كانت تعبيرا عن خيار واع ومقصود ولم تكن زلة غير واعية والدليل انه في ذات المناخات الطائفية وفي ظل الاقتتال وما يدعى بالانقسام المسلم المسيحي في البلاد كانت هناك قيادات وزعامات مسيحية تلتزم الصراع ضد العدو وتدين المتعاملين معه وتميز نفسها عنهم بكل قوة حتى استهدفت بالمذابح الدموية البشعة وبمحاولات الاغتيال المتكررة.

طائفية شعارات الحركة الوطنية ويسارها الانتهازي لم تدفع الرئيس الراحل سليمان فرنجية إلى قبول العمالة للصهاينة ولم تقنع ريمون إدة بالتنازل عن جذرية موقفه من الكيان الصهيوني واعتباره لبنان دولة مواجهة قبل سواه على طريقة الشيخ موريس الجميل.

ثمة أجيال شابة لم تعايش وقائع تلك الحقبة وينبغي ان تعرف الحقائق الموجعة بدلا من ديماغوجية الهياج الطائفي وخرافة الدفاع عن الوجود وينبغي لذلك تعرية الصراع بين القوى السياسية اللبنانية حول الهوية والانتماء والموقع الإقليمي من جميع الالتباسات الطائفية الكاذبة.

في سائر دول العالم وبمعيار السيادة والاستقلال بشير الجميل كان الخائن والعميل والشتوني هو المقاوم الذي استهدف بيتان لبنان الذي نصبه الغزاة ولم يكن رئيسا شرعيا من الناحية الدستورية فالمجلس الذي سماه كان فاقد الشرعية لأنه لم يكن حر الإرادة بل تصرف وفقا لمشيئة المحتل.

حبيب الشرتوني المتهم باغتيال بشير والذي حكم عليه بالإعدام هو مقاوم وطني في عرف السيادة والدستور وقد نفذ حكم الشعب بمن نصبه الاحتلال رئيسا غاصبا للسيادة وللشرعية وقرار المجلس العدلي بحق الشرتوني انتهاك للسيادة والاستقلال وانحياز أعمى للعصبيات الطائفية الكريهة على حساب منطق الدولة والوطن وهذا المجلس العدلي يفقد شرعيته بمثل هذا القرار لمخالفته الأركان التكوينية لمفهوم السيادة والاستقلال.

هذه حقيقة مختلف عليها لن نساير ولن ننافق فيها بل يجب ان يكون حولها نقاش عقلاني بعيد عن الغرائزية لتي يستظلها كثيرون في زمن الانتخابات وحملاتها الطائفية الكريهة بقصد التجييش الذي يستغل جهل الشباب بالوقائع والقرائن التي عاشتها اجيال سابقة وبكل صراحة إن جميع من شاركوا في مسخرة تنصيب بشير ومن ثم في كارثة اتفاق 17 أيار والمسلمين منهم قبل المسيحيين هم مدانون وهم متواطئون مع العدو الصهيوني اما الشرتوني فهو مقاوم متمرد يستحق التحية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى