هل يستطيع عباس تغيير موقف حماس من إسرائيل؟: يوسي بيلين
في يوم ما في بداية عام 1988 قالت لي سكرتيرتي إن السفير المصري في إسرائيل، محمد بسيوني، يوجد في المكتب ويريد مقابلتي على عجل. حينها كنت المدير العام لوزارة الخارجية، وكنت على ثقة من أنني الرجل الأكثر انشغالا في العالم، ولم أعرف لِمَ يأتي إليّ سفير من دون إعلان مسبق. ولكن الذي جاء هو بسيوني المخضرم. وقد طلبت منه الدخول .
السفير كان متأثرا وغاضبا. «أنتم لا تعرفون ما الذي تفعلونه!»، وجه الانتقاد لي. «أنتم تقومون طوال الوقت باعتقال نشطاء تشتبهون بأنهم محسوبين على م.ت.ف، وتسمحون لنشطاء إسلاميين متطرفين أن يفعلوا ما يريدون لأنه يبدو لكم أن ما يهمهم هو القرآن وتقديم الدعم للمساكين. يجب عليكم الاستيقاظ والفهم أن هذه الجماعة المتطرفة هي العدو الحقيقي لكم ولنا!».
بسيوني حدثني عن حادث معين اعتقل فيه فقط شباب محسوبين على فتح في حين لم يتم اعتقال الإسلاميين، أو تم إطلاق سراحهم على الفور. لم أكن أعرف عن الحادثة. وطلبت من عزرائيل نافو، الذي كان السكرتير العسكري لرئيس الحكومة في حينه اسحق شمير، المجيء إلي. وأخبرته عما قاله بسيوني وسألته إذا كان هناك أمور كهذه. هو أيضا لم يعرف عن تفاصيل ذلك الحادث، وتعهد بالرجوع إليّ.
بعد ساعات قال لي إنه فحص الأمر مع الجهات المختصة وتبين أنه لا أساس للقصة وليس هناك تفضيل للحركات الإسلامية على الحركات القومية. حينها قمت بإبلاغ بسيوني بذلك.
مرت ثلاثون سنة تقريبا على ذلك، وحتى الآن ليس واضحا إذا كانت تلك سياسة منظمة، لكن لا شك لدي الآن أن الأجهزة أخطأت في تقديرها أن الحركات الدينية أسهل عليها من الحركات العلمانية لعدم وجود مطالب سياسية لها، ولأنه يمكن تحقيق حاجاتها بسهولة أكبر. هذا كان خطأ استمر سنوات كثيرة، إلى حين تبين أن حركة مثل حركة حماس صحيح أنها لم تناضل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، لكنها رأت في إلغاء دولة إسرائيل أساسا لرؤيتها.
إن من يقومون بانتقادي لأنني ساعدت عملية أوسلو وم.ت.ف في النهوض من الأنقاض بعد دعم ياسر عرفات الإشكالي جدا لصدام حسين، على حق في ادعاءاتهم، كما أنهم يخطئون في التفكير أنه لو ضعفت م.ت.ف أكثر لكان من الأفضل لإسرائيل أن تقف في وجه حماس.
حسب رأيي كانت م.ت.ف بعد القرارات المهمة التي اتخذتها في 1988، شريكة محتملة في حل النزاع، في حين أن حماس كانت عنصرا يمكن التوصل معه إلى طريق مسدود. إن من يرى في هذه البلاد كلها وقف إسلامي لا يمكنه التنازل.
في تشرين الأول 1993 قمت بزيارة تونس، والتقيت للمرة الأولى ياسر عرفات، وأجريت معه محادثة ليلية مطولة.
من ضمن أمور أخرى قال لي إن حماس هي مشكلته الأصعب، لأنها ستحارب اتفاق أوسلو. وأضاف بأنه هو فقط الذي يستطيع التعامل مع حماس. وطلب مني فحص إمكانية أن تقوم إسرائيل بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجن وتسليمه له. وحسب أقواله، إذا عرف ياسين بأنه قد تم إطلاق سراحه بناء على جهوده، فيمكن حدوث تغيير في سلوك حماس.
هذا الاقتراح لم يكن عمليا، وقد رفضه رئيس الحكومة اسحق رابين. في السنوات بعد ذلك، وبعد مذبحة باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي، حدث عدد من العمليات الانتحارية الشديدة التي نفذتها حماس، ولا شك أن هذه الحركة أسهمت كثيرا في تحفظات الجمهور من استمرار العملية السياسية.
في 2005 عندما أيدت حركة ميرتس برئاستي حكومة الليكود برئاسة اريئيل شارون من أجل أن ينفذ الانسحاب من غزة، حاولت بلا جدوى إقناع شارون بالقيام بذلك في إطار اتفاق مع الرئيس الفلسطيني الجديد محمود عباس.
وعندما قلت له إنه يعطي هدية لحماس، قال لي إنه حسب رأيه ليس هناك فرق بين م.ت.ف وحماس لأنهما تريدا الأمر نفسه. وقلت له إن هذا بالضبط مثل قول إنه لا فرق بين ميرتس وكهانا، لأنهما صهيونيتان. واكتفى بالابتسام.
الخيار الفلسطيني
وجهة نظر شارون هذه جعلته يوافق على طلب حكومة بوش الابن تمكين حماس من خوض الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني. بصورة معارضة تماما للاتفاق الذي منع مشاركة جهات وشخصيات تدعو لاستخدام العنف في الانتخابات.
ربما اعتقد مثل بوش نفسه، أن هذه أفضل الطرق لإضعاف حماس. لأنها لن تحصل على أكثر من 30 من مئة من الأصوات، وستتحول إلى جزء من السلطة التنفيذية، وستواجه مشاكل يومية وستعرف أن «الأمور التي نراها من هنا لا نراها من هناك»، وستقوم بتغيير جلدها.
فوز حماس في الانتخابات جاء بالأساس من ضعف فتح لأنه في مناطق كثيرة ترشح نشطاء محسوبون على فتح الواحد ضد الآخر، وشتتوا الأصوات. الفوز فاجأ حماس نفسها كما فاجأ الفلسطينيين والإسرائيليين والعالم: حركة عارضت بشدة اتفاق أوسلو انتخبت لتحكم من خلال الإطار الذي نشأ عن هذا الاتفاق، وواصلت معارضته. العالم قال لحماس حسنا، لقد تم انتخابكم بصورة ديمقراطية (وكانت الانتخابات معقولة)، لكن الآن عليكم الاعتراف بإسرائيل واتفاق أوسلو والتخلي عن الإرهاب من أجل التحدث معكم. وفي حماس قالوا إن أحدا لا يضع شروطا كهذه قبل الانتخابات، وفقط لأننا انتخبنا خلافا لتوقعات العالم، يطلبون منا شروطا غير ممكنة، كي يكون هناك تبرير لعدم الاعتراف بنا وبفوزنا. هذا الشعور لدى حماس المتمثل في أنه برغم انتخابها، بقيت السلطة الفعلية في أيدي الجهة الخاسرة، أدت بها إلى الدخول في صراع عنيف ضد حماس والسيطرة على القطاع قبل عشر سنوات.
المصلحة الإسرائيلية هي أنه سيقف أمامنا جسم فلسطيني ممثل واحد، يعارض استخدام العنف ومستعد للتوصل معنا إلى مصالحة تاريخية تكون جيدة للطرفين. إن سياسة «فرق تسد» جيدة فقط لمن يريد الحكم، لكن الأغلبية الساحقة في إسرائيل ليس لها اهتمام بحكم الفلسطينيين. إن المصالحة بين معسكرين صقوريين وإيجاد عنوان فلسطيني واحد من جديد هي أفضلية لهم ولنا.
المهم من جهتنا هو ألا تتحول حماس إلى حزب الله داخل النظام الفلسطيني. هذا ما قاله بالضبط بشكل علني محمود عباس. إذا توقفت حماس عن إنشاء مليشيا عسكرية وكانت مستعدة للموافقة على موقف الأغلبية الفلسطينية بخصوص اتفاق مستقبلي مع إسرائيل، فسيكون ذلك هو الأمر الأصح. أما إذا تمسكت حماس في أعقاب الاتفاق الذي تم توقيعه في الأسبوع الماضي ببقاء السلاح في أيديها وأن يكون القرار في أيديها حول استخدامه ضدنا من غزة أو من الضفة الغربية، فستضطر إسرائيل لأن ترى في محمود عباس المسؤول عن أي استخدام حماسي للعنف (سنضطر إلى معارضة الإطار المشترك الذي ستقيمه المنظمتان الفلسطينيتان المتخاصمتان).
اسرائيل اليوم