الصاروخ السوري في الأجواء اللبنانية: ناصر قنديل
– بعيداً عن التفاهات التي يطلقها بعض المأخوذين بانبهار بالقوة «الإسرائيلية» التي لا تُقهر، يجمع الخبراء والمحللون «الإسرائيليون» على أنّ ثمة استراتيجية ردع مقلقة يتبعها الرئيس السوري بشار الأسد تفرض حضورها بهدوء، وترسم قواعد اشتباك لا يمكن تجاهلها ولا إنكار نجاحاتها. ففي مثل هذه الأيام وبعد صبر طويل، أطلقت الدفاعات الجوية السورية صاروخاً على طائرات «إسرائيلية» أغارت على أهداف قالت إنها قوافل سلاح لحزب الله، قصفتها من داخل الأجواء السورية، وردّت «إسرائيل» على الصاروخ وتكرّر الردّ السوري على غارات مشابهة ثلاث مرات كان آخرها في شهر آذار الماضي، لتسلّم «إسرائيل» منذ ذلك التاريخ بعدم دخول الأجواء السورية، وترسم معادلة بديلة، قوامها الاكتفاء باستهداف مواقع سورية أو ما تسمّيه قوافل سلاح حزب الله من الأجواء اللبنانية، ونادراً بصواريخ أرض أرض من حدود الجولان المحتلّ .
– التسليم الإسرائيلي بمغادرة الأجواء السورية، ليس شأناً عادياً في معادلة قوة لا يعلم أحد متى تنفجر حرباً، يكون على «إسرائيل» فيها خوضها من دون دخول أجواء صارت محرّمة عليها، وتتحدّد فيها أهداف سلاح الجو بما تطاله الصواريخ من الأجواء اللبنانية، لكن «إسرائيل» التي ارتضت هذا البعد الردعي السوري الأول افترضته الأخير، وحاولت الاقتناع بأنّ الأهداف الحيوية التي ستحتاج للتعامل معها يمكن أن تطالها من الأجواء اللبنانية على طول خط حدودي تقع دمشق وحماة وحمص وطرطوس في مدى الستين كليومتراً التي تستطيع صواريخها من الأجواء اللبنانية بلوغها، ليفاجأ «الإسرائيليون» بصاروخ سوري يستهدف طائراتهم، التي قالوا إنها كانت في جولة روتينية للتصوير في الأجواء اللبنانية، ويقولون بصراخ مرتفع، إنّ هذا الاستهداف الخطير هو تجاوز لخطوط حمراء لا يمكن قبوله. فهم لم يدخلوا الأجواء السورية ولم يكونوا في وضع إغارة على هدف داخل سورية كي يضعوا استهداف طائراتهم ضمن إطار الدفاع السوري. وسواء صحّ الكلام «الإسرائيلي» عن قصف بطارية صواريخ سورية أم لا، فالذي قامت به الدفاعات السورية سيتكرّر حكماً، كما حدث في رسم الخط الأحمر أمام انتهاك الأجواء السورية، وفرض معادلة ردع جديدة على «إسرائيل»، وسيكون على «الإسرائيليين» مع التكرار، كما في المرة السابقة إما أن يختاروا سياق التصعيد وصولاً لخطر مواجهة تخرج عن السيطرة، أو الالتزام بخط الردع الجديد، والسعي لتقديم ضمانات بعدم استخدام الأجواء اللبنانية لأيّ عمل ينتهك السيادة السورية، وهم يضعون في حسابهم فرضية تعرّضهم لخطر تلقي صواريخ أرض أرض سورية رداً على انكفائهم عند خط استخدام صواريخ أرض أرض على أهداف في سورية من حدود الجولان المحتلّ، وصولاً للتسليم بحلقات رادعة متسلسلة فرضت بالتتابع تحرّم عليهم ضرب أيّ هدف في سورية.
– المحللون «الإسرائيليون» يقولون إنّ الأمر أبعد من ذلك، ويتخطّى مجرد حماية الداخل السوري من غارات «إسرائيلية»، ويضعونه ضمن إطار التكامل الدفاعي بين الجيش السوري وحزب الله، في مواجهة «إسرائيل». ويقرأون عبره رسالة مفادها، أنّ الأجواء اللبنانية باتت مدى للنار السورية ما دامت مدى للطائرات «الإسرائيلية»، وأنّ المعادلة الوحيدة الممكنة، هي انسحاب «إسرائيلي» من الأجواء اللبنانية، مقابل عدم تلقي النار السورية، لأنّ كلّ تحليق «إسرائيلي» في الأجواء اللبنانية هو بنظر سورية مشروع غارة «إسرائيلية» على الأراضي السورية، التي تعرّضت لغارات «إسرائيلية» متعدّدة من طائرات «إسرائيلية» استخدمت الأجواء اللبنانية.
– معادلة ردع تبدأ معركة تثبيتها، قد تتحوّل لمواجهة مفتوحة، وقد تنتهي بتثبيت قواعد اشتباك جديدة، لكنها معادلة يرسمها قائد استراتيجي يحسب خطواته بدقة، ولا تفوته سانحة تحت شعار تقادم الزمن هذا هو بشار الأسد.