مقالات مختارة

الأسد يحاول رسم خط أحمر جديد: يوسي ميلمان

 

الحادثة الخطيرة أمس هي محاولة من بشار الأسد لرسم خط أحمر جديد لسلاح الجو الإسرائيلي وإجباره على الكف عن العمل في لبنان. ولكن السؤال الأكبر والأهم هو إذا كان فعل ذلك بمبادرته أم بالتنسيق مع روسيا وإيران، والأخطر من كل ذلك ـ ربما بتعليمات منهما .

منذ عشرات السنين، ولا سيما منذ حرب لبنان الثانية التي نشبت في 2006 يعمل سلاح الجو من دون عراقيل في سماء لبنان، ولا سيما بغية جمع المعلومات الاستخبارية. هكذا كان أمس أيضا، حين حلقت طائرات السلاح في مهمة تصوير عادية جدا.

ما كان استثنائيا هو حقيقة أن نظام الأسد، لأول مرة، أطلق النار نحو طائرات إسرائيلية في سماء لبنان، حتى لو أخطأت الصواريخ أرض ـ جو السورية المرمى. في نهاية المطاف يدور الحديث عن صواريخ قديمة يعرفها سلاح الجو منذ 1983.

حتى الآن، على مدى ست سنوات ونصف السنة من الحرب الأهلية في سورية، هاجم سلاح الجو أكثر من مئة مرة أهدافا في الدولة، معظم الهجمات كانت موجهة ضد محاولات إيران وسورية نقل صواريخ دقيقة وبعيدة المدى أو قطع غيار لصواريخ كهذه، إلى حزب الله في لبنان.

وحسب منشورات أجنبية، بين الحين والآخر هوجمت أيضا مخازن ومعامل صواريخ في سورية. الجيش السوري، بسبب أزمته الكبيرة وضعفه، كاد لا يرد على الهجمات، وسلم بها إلى هذا الحد أو ذاك.

قسم من الهجمات، لا سيما منذ تثبت الجيش الروسي في سورية وإقامته أيضا منظومة متطورة مضادة للطائرات، مع بطاريات صواريخ متطورة تمت من سماء لبنان كي لا تمس، حتى ولا ظاهرا، بالسيادة السورية وتقليص خطر الاحتكاك مع روسيا وبطارياتها.

وإذا كان كذلك، فلِمَ قرر نظام الأسد تنفيذ إطلاق النار وما هو مدى دور روسيا وإيران في القرار؟ هذا سؤال يشغل بال محافل الاستخبارات في إسرائيل. واضح أن ثقة الأسد بنفسه تتزايد منذ انجازاته في الأشهر الأخيرة في الحرب، انجازات من خلالها يستعيد السيطرة على أجزاء واسعة من الدولة.

هذا الأسبوع احتلت أيضا مدينة الرقة، «عاصمة الدولة الإسلامية». وهكذا عمليا انتهت فكرة الخلافة ككيان إقليمي. هذا الأمر يزيد أكثر فأكثر ثقة النظام.

إن إطلاق الصاروخ السوري يمكن أن يفسر أمرا بسيطا، ولكن أيضا أمرا ضروريا. والبسيط هو مزدوج: يمكن أن يكون هذا رد لمرة واحدة من النظام على الهجوم على مصنع الصواريخ في الشهر الماضي في عمق الأراضي السورية، والذي نسب لإسرائيل، أو رغبة من نظام الأسد لمزيد من التثبيت لسيادته والإشارة لإسرائيل بالكف عن الهجوم في سورية، ولا حتى من الأراضي اللبنانية.

ولكن توجد أيضا ضرورة. ينبغي أن نأخذ بالحسبان أيضا أن اليدين هما يدا الأسد، أما الصوت الآمر فهو صوت النظام الإيراني. فمن غير المستبعد أن تكون إيران هي التي طلبت من جيش الأسد أن يطلق النار كي يقول لإسرائيل إنه من الآن فصاعدا لن تكون الطلعات الجوية فوق سماء لبنان ـ والموجهة أولا وقبل كل شيء ضد حزب الله، الحليف والفرع المتقدم لطهرن حيال إسرائيل ـ نزهة سهلة بل ستنطوي على خطر.

وثمة حتى مكان لتفسير بعيد المدى يقول إن إيران استخدمت سورية ليس فقط إشارة لإسرائيل بل أيضا للولايات المتحدة في أعقاب قرار ترامب عدم إقرار الاتفاق النووي. أي أن بوسعها أن تشعل الشرق الأوسط أكثر فأكثر.

ولكن فوق كل ذلك، فإن عدم اليقين الأكبر يرتبط بروسيا. فهل عرفت مسبقا بالقرار السوري لإطلاق الصاروخ؟ هل عرفات بل وأقرت هذه العملية؟ إذا كان لا، فالأمر يمس بمكانتها في سورية حيث أنها من جهة تتعاون مع إيران في إدارة الحرب ضد أعداء النظام، ولكن من الجهة الأخرى تتنافس معها أيضا على النفوذ وعلى الإعمار الاقتصادي المتوقع ما بعد الحرب.

وإذا كانت عرفت وأقرت، فلِمَ فعلت ذلك؟ هل تلعب لعبة مزدوجة، تقر فيها لجيش الأسد أن يدافع عن نفسه ضد هجمات إسرائيل ومن جهة ثانية تقبل من دون أن يرف لها جفن هجمات سلاح الجو الإسرائيلي ضد مواقع سورية؟

في كل حال، ردت إسرائيل ردا محدودا. هكذا ترغب إسرائيل في أن تؤشر إلى أنها غير معنية بالتصعيد. ومن وجهة أخرى، أوضح رئيس الوزراء نتنياهو مرة أخرى أن إسرائيل لن تسمح بالمس بها، وأن من سيفعل ذلك سيعاقب.

كل هذا يشهد على أن الأطراف، برغم أنها لا تريد الحرب، فإنها تحدد خطوطها الحمر في محاولة لتأكيدها وتثبيت واقع جديد لليوم التالي للحرب الأهلية في سورية. من ناحية إسرائيل نشأ على الحدود الشمالية مع سورية ولبنان واقع جديد.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى