كيف تعلمنا ان نتعايش مع الحروب الأمريكية : أندرو باسيفيتش
فكر في هاتين الحقيقتين اللتين لا جدال فيهما. أولا، الولايات المتحدة تشارك اليوم بشكل دائم تقريبا في مختلف الأعمال العدائية عبر القارات. ثانيا، الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي لا تعير ذلك أي اهمية.
ولا يمكن القول بأننا لا نهتم لأننا لا نعرف. صحيح أن السلطات الحكومية تحجب بعض جوانب العمليات العسكرية الجارية وتفرج عن التفاصيل الاخرى التي تجدها لصالحها. ولكن المعلومات التي تصف ما تقوم به القوات الأمريكية (وأين) متاحة لمن يريد ان يعرف، التغريدات الرئاسية مثال واضح على ما نقوله، وهناك ايضا بيانات صحفية صادرة عن القيادة المركزية لجيوش الولايات المتحدة.
فمنذ أن شنت الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، نشرت الكثير الكثير من البيانات الصحفية العسكرية. وهي تقدم احداثيات عن مختلف الحملات التي يقوم بها الجيش الأميركي. ويقدم الجنرالات والأميرالات، والمسؤولون رفيعو المستوى بانتظام شهاداتهم أمام لجان الكونغرس أو المختصين في الصحافة.
ومن الميدان، يقدم الصحفيون معلومات حول الخسائر المدنية – على سبيل المثال – وهذا ما تفضل السلطات الحكومية عدم الكشف عنه. ويقدم المساهمون في افتتاحيات الصحف و “الخبراء” بما في ذلك الضباط المتقاعدون، تحليلاتهم عبر الكتب والوثائق والتحقيقات.
الحقيقة لا تهم بشي… فئة كبيرة من الأميركيين تعلموا أن يتعايشوا مع ذلك الواقع. في أمريكا في القرن الحادي والعشرين، الحرب ليست صفقة كبيرة.
وبينما كان روبرت ماكنمارا يعمل كوزير للدفاع في الستينيات من القرن الماضي، قال إن “أكبر مساهمة” في حرب فيتنام كانت في تمكن الولايات المتحدة من “الذهاب إلى الحرب دون ضرورة إثارة غضب الراي العام”. وفيما يتعلق بالنزاع الذي كان يشار إليه على نطاق واسع باسم “حرب ماكنمارا”، فقد ثبت أن ادعاءه سابق لأوانه. ولكن بعد نصف قرن، أصبحت رغبته حقيقة واقعة.
لماذا لا يظهر الأميركيون اليوم سوى القليل من الاهتمام بالحروب التي تشن باسمهم في مختلف بقاع العالم؟….
ربما مجرد طرح مثل هذا السؤال يدفعنا على الفور إلى الاجابة على النحو التالي: لماذا ثني الناس على اداء جاستن بيبر، ولماذا يطلقون النار على الطيور، أو لماذا يشاهدون الغولف على شاشة التلفزيون.
هنا ثمانية تفسيرات مميزة ولكن متعاضدة، عرضت بتسلسل وتبدأ بالواضح لتنتهي بالمتضارب.
الأميركيون لا يعيرون تلك الحروب الكثير من الاهمية ولا يهتمون بحال استمرارها لوقت طويل وذلك:
1- لان معدل الإصابات في الولايات المتحدة منخفض. وباستخدام الوكلاء والمقاولين، والاعتماد بشكل كبير على القوة الجوية، تمكن مديرو الحرب الأمريكيون من الحفاظ على مشاركة عدد قليل من الجنود الأمريكيين خوفا من ان يقتلوا او يجرحوا. ففي العام 2017، على سبيل المثال، فقدت مجموعة من 11 جنديا أمريكيا في أفغانستان – أي ما يعادل عدد الوفيات الناجمة عن إطلاق النار في شيكاغو على مدار الاسبوع العادي. صحيح، في أفغانستان والعراق، وغيرها من البلدان التي تشارك فيها الولايات المتحدة في الأعمال العدائية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، الكثير من الناس الذين ليسوا من الأميركيين يقتلون ويشوهون. (العدد المقدر للمدنيين العراقيين الذين قتلوا هذا العام وحده يتجاوز12000). ولكن هؤلاء الضحايا ليست لهم أي مكانة سياسية فيما يتعلق بالولايات المتحدة. وطالما أنها خسائر لا تعرقل العمليات العسكرية الأمريكية، فإنها لا يعول عليها (ولا تحسب عموما).
2- التكاليف الحقيقية لحروب واشنطن لا تتوقف. وقال دوايت د. آيزنهاور في خطاب شهير، يعود إلى بداية رئاسته، أن “كل بندقية مصنوعة، وكل سفينة حربية أطلقت، وكل صاروخ أطلق هو في النهاية مصدر رزق لأولئك الذين يعانون من الجوع والفقر. الدولارات التي تنفق على الأسلحة، تترجم مباشرة إلى المدارس والمستشفيات والمنازل والطرق السريعة، ومحطات توليد الطاقة… ويرى الكثيرون في الواقع أنها نعمة، ومصدر لأرباح الشركات، والوظائف. إن المبالغ التي أنفقت وفقا لنزاعات ما بعد 9/11 ستصل في نهاية المطاف إلى عدة تريليونات. تخيل فوائد استثمار هذه المبالغ في تطوير البنية التحتية القديمة في البلاد. ومع ذلك لا يعتمد على قادة الكونغرس أو السياسيين الآخرين، أو مجرد أي شخص آخر لمتابعة هذا الارتباط.
3- وفيما يتعلق بالحرب، رفض بعض المواطنين الأمريكيين هذه النقطة في كثير من الأحيان، لقد حدد الشعب الأمريكي التزامه ب “دعم القوات” بأقصى ما يمكن تصوره، مما يضمن قبل كل شيء أن هذا الدعم لا يحتاج مطلقا إلى التضحية من جانبهم. أعضاء الكونغرس حرضوا على هذه اللامبالاة المدنية، في حين اتخذوا خطوات للانسحاب من المسؤولية.
4- وفي حين أن الإرهاب الدولي ليس مشكلة تافهة (ولم يكن لعقود قبل 11 أيلول / سبتمبر)، فإنه لا يقترب من أن يشكل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة. والواقع أن التهديدات الأخرى، ولا سيما أثر تغير المناخ، يشكل خطرا أكبر بكثير على رفاه الأمريكيين. فيشكل خطرا على سلامة الاطفال ويشكل وباء الأفيونيات خطرا أكبر من “الراديكالية الإسلامية”. ولكن فاتورة “الحرب على الإرهاب” هي أمر ضروري “للحفاظ على سلامة أميركا”، يمكن إقناع المواطنين بسهولة بأن تشتيت القوات الأمريكية في جميع أنحاء العالم الإسلامي وإسقاط القنابل على الأشرار يساعد في القضاء على الارهاب.
5- عندما يتعلق الامر بالسياسة الخارجية، فإن الخطاب العام الاميركي هو في غاية الرقة والغرابة ويبدو بلا جدوى. ووصف وليام سافير من صحيفة نيويورك تايمز الخطاب السياسي الأمريكي باسم “بومفوغ”. حيث يتم تقديم مصطلحات مثل القيادة التي لا غنى عنها، جنبا إلى جنب مع التحذيرات حول مخاطر العزلة والاسترضاء. هذه المواقف تجعل التحقيق في الأصول والأغراض الفعلية للحروب الأمريكية غير ضروري ، في الماضي أو الحاضر، أو تقييم احتمالات استمرار الحروب .
6- حتى لو كان المشهد السياسي الأمريكي الحالي يضم شخصيات مثل السيناتور روبرت لا فوليت الذي حذر منذ فترة طويلة من مخاطر عسكرة السياسة الأمريكية، وقال إن الاستجابة لمطالب عصر المعلومات ليست كذلك، الا اننا نعيش في عصر تجد فيه تعدد المهام المحمومة نوعا من الواجب. فالأمور التي نهتم بها هي التي حصلت منذ قليل ولا نعير اهمية للأمور الأعظم . ومع ذلك، الكسوف الشمسي الكبير في العام 2017 – هو أمر ذو أهمية كبيرة ولكن نسي على الفور – هذه الأمور سيحل محلها في غضون بضع دقائق أو ساعات أخرى بعض التطورات التي ستستحوذ على اهتمامنا لفترة وجيزة. ونتيجة لذلك، فإن عددا متضائلا من الأميركيين – لا يفحصون صفحات الفيسبوك وحسابات تويتر بشكل إلزامي -و لديهم الوقت أو الميل للتفكير في أسئلة مثل: متى ستنتهي حرب أفغانستان؟ لماذا استمرت 16 سنة تقريبا؟ لماذا لا تفوز هناك اقوى قوة قتالية في التاريخ؟.
7- على أي حال، الرئيس القادم سيوفر لنا ما نتمنى، السياسيون الطموحون يسارعون لاستغلال هذا التوقع. المرشحون الرئاسيون يناضلون للتميز عن منافسيهم، ولكن كلا منهم وعد بطريقة أو بأخرى باستعادة امجاد أمريكا العظمى، وتجاهل السجل التاريخي للوعود المكسورة أو التي لم يتم الوفاء بها.. الحملات اصبحت أكبر وأكثر تكلفة. ففي معسكر ترامب، التخلص من ترامب نفسه أصبح ضرورة قصوى، مع إيلاء القليل من الاهتمام لاستعادة التوازن الذي توخاه واضعو الدستور.
8- لقد حصن جيشنا ثقافيا إلى حد كبير من الانتقادات.
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان
