ترامب وقيود المجلس العسكري
غالب قنديل
منع امتلاك القنبلة النووية هو الكذبة التي استعملت ذريعة لمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية والتحول إلى قوة رئيسية مصنعة للطاقة النووية السلمية بفعل امتلاكها مئات المناجم الغنية باليورانيوم والغاية هي منع صعود القوة الإيرانية الاقتصادية والاستراتيجية أودخولها كعامل فاعل ومؤثر في التوازن العالمي الجديد على أنقاض الهيمنة الأميركية الأحادية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي.
رغم العربدة والتحريض والمبالغات التهويلية أكد مضمون الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم أمس حقيقة الاستنتاج القائل بأن القوتين الصانعتين للقرار السياسي الأميركي هما المجلس العسكري الذي يضم الجنرالات الثلاثة كيلي وماتيس وماكماستر واللوبي الصهيوني الذي يمثله صهر الرئيس جاريد كوشنر في حين تتواجد في الإدارة مواقع تأثير أخرى أبرزها كارتيل النفط الذي يتمثل بوزير الخارجية تيلرسون القادم من القطاع مباشرة بعدما رئس لسنوات العملاق النفطي أكسون موبيل بينما لا حاجة لتواجد مدراء من مجمع الصناعات الحربية كما كان حال إدارتي بوش الأب والابن بوجود المجلس العسكري وثيق الارتباط بشركات صناعة الأسلحة كالعادة والذي يعكس شهية البيرقراطية العسكرية لرصد موازنات متزايدة لتحديث الترسانة الحربية الأميركية وتطويرها بشقيها التقليدي والاستراتيجي كما هو يحمل مخاوفها من مغامرات سياسية خارجة عن السيطرة تفاقم المأزق الاستراتيجي الأميركي وهو امر يسهل توقعه مع مزاج ترامب وارتجاله السياسي.
رسم الجنرالات سقفا واضحا للتصعيد ضد إيران يلبي توجهات اللوبي الصهيوني أساسا ويستجيب لمصالح سائر حكومات منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة فالمؤسسة العسكرية تنظر بالتأكيد إلى إيران كعدو لكنها مرغمة على إجراء حسابات واقعية لكلفة الانزلاق نحو مواجهة عسكرية محفوفة بالمخاطر وهذه حسابات أجريت سابقا في البنتاغون عشية إبرام الاتفاق النووي بناء على طلب الرئيس السابق باراك اوباما وجاءت النتيجة في توصية بالابتعاد عن ارتكاب الحماقات وحصر المواجهة ضد إيران ببرنامج الصواريخ بعيدة المدى الذي يقلق تل أبيب واعتبار الاتفاق النووي أفضل الممكن في ظل توازن القوى العالمي والإقليمي بينما اعتبرت اوساط المال والأعمال على غرار شركة بوينغ ان رفع الحصار عن إيران وتفكيك العقوبات يفتح فرصا كبيرة في سوق واعدة وهذا ما كتبه العديد من الخبراء وكرره الرئيس اوباما الذي قاد حروب الإمبراطورية الأميركية خلال ولايتيه وكان مسؤولا عن شن الحرب على سورية وليبيا بينما واصل الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان واليمن وأسس لنزاع طويل مع كل من الصين وروسيا القوتين العالميتين الصاعدتين والمنافستين.
يمكن لأي كان ان يتهم اوباما بأي شيء إلا كونه متساهلا في التعبير عن شراسة الحملة الاستعمارية الأميركية لإخضاع العالم فرئاسة اوباما شهدت فصولا شديدة الخطورة من حروب الوكالة والتدخلات العسكرية المباشرة وقد اعتمدت إدارته نهجا شديد الخبث والدهاء في إدارة تلك الحروب بواسطة التنظيمات التكفيرية وفصائل الإرهاب المتحدرة من شبكات الأخوان المسلمين المنتشرة في العالم وعبر تصنيع ما سمي بالربيع العربي بينما شكل التصعيد العدائي في التعبئة ضد روسيا والصين توجها سياسيا وعسكريا حاسما للإدارة الأميركية كما تعاملت الولايات المتحدة مع إيران بمنطق الاحتواء من غير أي تراجع بوتيرة العداء لدورها في إطار محور المقاومة الإقليمي وشبكة تحالفات الدول المستقلة المناهضة لهيمنة واشنطن.
الجنرالات الأميركيون يخشون الاحتكاك الأميركي العسكري بالدول المناهضة لهيمنة الإمبراطورية الأميركية لأن ذلك قد يشعل حروبا تخرج عن السيطرة وتقترب من حريق عالمي كبير ويصعب التحكم بها او التنبؤ بنتائجها وتداعياتها وهذا هو التقدير الذي دفعهم للتوصية العاجلة بوضع قواعد للتنسيق مع القوات الروسية في سورية وبفتح قنوات اتصال سياسي بين موسكو وواشنطن تسمح بتحاشي الاحتكاك الخطير بين القوات البحرية والجوية والبرية في ميادين متشابكة وهو الدافع نفسه إلى رسمهم سقفا لأي تصعيد يستهدف إيران.
الحملة العدائية التحريضية ضد إيران تناسب النخبة العسكرية الأميركية واللوبي الصهيوني معا لكن الانزلاق إلى الحرب الذي يتمناه نتنياهو أمر آخر والمطلوب تحاشيه راهنا على الأقل فالموضوع يرتبط بالتداعيات الخطيرة المرتقبة لجهة مضمون ومدى الرد الإيراني الذي سيطال المنطقة بأسرها وسيضع الكيان الصهيوني في حالة حرجة امام قدرات الرد التي يتيحها الانخراط السوري واللبناني في المواجهة العسكرية والبنتاغون في هذه الحالة مرغم على النظر في مضمون التعامل السياسي والميداني الروسي والصيني مع أي عدوان اميركي ضد إيران.