رسائل تفجيرات دمشق وإشاراتها: ناصر قنديل
– تعطي التفجيرات التي استهدفت مقرّ الشرطة في دمشق مؤشرات تختلف عن سابقاتها، فهي رغم القلق الذي سبّبته في الأجواء المستقرة للعاصمة والدم الذي نزف والألم الذي تسبّب به تقول في السياسة أشياء جديدة كثيرة .
– الإشارة الأولى هي الفشل الذي تعانيه الجماعات المسلحة بما فيها الأشدّ تنظيماً والأوسع قدرات في إدخال سيارات مفخّخة إلى العاصمة منذ مدة طويلة. وهذا يعبّر عن ضعف البنى الاستخبارية لهذه الجماعات وضعف قدرتها على اختراق الهياكل الأمنية والعسكرية من جهة وعلى درجة الخبرة واليقظة معاً لدى هذه الأجهزة وقدرتها على تطبيق إجراءات ضبط لا تتسبّب بدرجة عالية من الإرباك لحركة الناس.
– الإشارة الثانية هي اختلال التوازن بقوة بين هذه الجماعات. وفي مقدّمتها الأشدّ قوة وتنظيماً منها وبين القوى الأمنية في التنظيم والحركة وعجز الجماعات المسلحة عن تحويل عناصرها البشرية إلى قوة فاعلة في إحداث إرباك أمني. فعندما يصل ثلاثة انتحاريين إلى مدخل مقرّ الشرطة ويُقتلون خارج المبنى أو يُضطرون لتفجير أنفسهم وتكون الحصيلة شهيدين من المدافعين ومقتل الانتحاريين المهاجمين فذلك يقدّم معادلة معاكسة لتوازن الفارق بين مهاجم يملك عنصر المفاجأة وانتحاري في الوقت نفسه بوجه حارس في عمل روتيني تقع عليه المفاجأة ويواجه أشخاصاً مستعدّين للموت ويموتون فعلاً.
– الإشارة الثالثة هي البعد المعنوي الذي تختزنه حالة كلّ من عناصر الأمن وانتحاريّي الجماعات المسلحة. وهو بعد حاسم في درجة الشجاعة والثبات والاشتباك والتحكم بالنيران، رغم خداع الصورة في المقارنة النظرية بين انتحاري وعنصر شرطة فيظهر عنصر الشرطة متفوّقاً بمعنوياته حاضراً للاستشهاد بينما الانتحاري مهزوم مستعجل للموت.
– الإشارة الرابعة هي أنّ مسار الحرب في سورية قد تغيّر جذرياً، فصورة الدولة القوية هي التي تظهر والجماعات الإرهابية هي التي تتفكك وتنهزم. وهذا بالمقارنة مع دول الغرب الكبرى يعكس اختلالاً لصالح سورية بالقدرة والأهلية والتفوّق، وبالحال النفسية التي يخلقها التفاوت في حركة الإرهابيين في سورية وسواها. وتكفي المقارنة هنا بين هذا المشهد الذي رأيناه في سورية أمس، وما نراه كلّ يوم من نجاحات يحققها الإرهابيون في عواصم الغرب المنيعة والمدجّجة بالسلاح والمخابرات.
– الإشارة الخامسة هي في السياسة، وربما تكون هي الأهمّ، فهل من المصادفة أن يأتي هذا الهجوم الإرهابي في دمشق بالتزامن مع إفلاس الجماعات الإرهابية في التحوّل مشروع استنزاف جدياً للدولة السورية، كمحاولة يائسة للإرباك أو لفتح جبهة استنزاف بديلة لجبهات القتال الميؤوس منها؟ لكن السؤال الأهمّ هو هل من المصادفة أن يأتي هذا التفجير فيما تتحدث موسكو بلسان وزير خارجيتها على مدى أيام متتالية، عن الرهان الأميركي المتمادي على هذه الجماعات الإرهابية لإعاقة بلوغ الجيش السوري وحلفائه عن الاقتراب بسرعة من لحظة النصر الحاسم، وفيما ترتبك واشنطن في كيفية إدارة ملفاتها المعقدة مع شريكي موسكو في مسار الحلّ في سورية، إيران وتركيا، خصوصاً في المسألة الكردية والملف النووي وملف حزب الله، فيقع الاختيار على هذا الأسلوب لإيصال الرسائل الأميركية؟
– ليس التفجير الذي شهدته دمشق إلا رسالة تجنّدت لإيصالها إمكانات الحلفاء الذين تقف واشنطن على طرفها، وتقف داعش على طرفها الآخر، وما بينهما تقف «إسرائيل» والسعودية. وما النتيجة البائسة والمسيرة اليائسة إلا تعبير عن الموازين الجديدة معنوياً وعسكرياً، التي باتت ترسم مستقبل الصراع في سورية وحولها وعليها.