الصعود الإيراني القاهر
غالب قنديل
ينشغل العالم بالتكهن حول محتوى الموقف الذي سيعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وقد شطحت بعض التوقعات في موجة تهويل باندفاع الولايات المتحدة إلى شن الحرب الكبرى التي سعى إليها كل من الكيان الصهيوني والمملكة السعودية غير مرة في السنوات الماضية منذ احتلال العراق.
الواضح من مسار عمل الإدارة ان قادة الجيوش الأميركية يدركون مخاطر المغامرة ولذلك واجهت حكومة دونالد ترامب ما يشبه انقلابا عسكريا بتعيين جنرالات في مواقع حساسة وباتت شائعة تسميتهم بالمجلس العسكري القابض على القرار السياسي في واشنطن التي تعيش تحت وطأة القلق من “شطحات الرئيس ” وتبعاتها خصوصا في قضايا لا تحتمل العبث كالملف النووي الإيراني الذي تناهضه منذ البداية مجموعة الضغط الصهيوني ذات النفوذ الواسع داخل المؤسسة الأميركية الحاكمة وفي بطانة الرئيس الجمهوري وعائلته.
جميع الاحتمالات الواقعية المتداولة تفيد بأن ما سيعلنه دونالد ترامب سيكون موجة تصعيد جديدة ضد إيران سياسيا وإعلاميا ومزيدا من العقوبات التي تستهدف فيلق القدس وبرنامج صناعة الصواريخ بعيدة المدى التي دشنتها إدارة اوباما وفي حال أراد ترامب أن يتخطى سلوكياته المصنفة وفق الخبراء في خانة اوباما 2 واعتمد التوجه لزعزعة رسوخ الاتفاق النووي كقرار اممي اجمعت عليه الدول الكبرى عند صدوره فإن من المستبعد ان يعلن انسحابا اميركيا احاديا من الاتفاق ووفقا لمعهد واشنطن إن الحد الأقصى المتوقع سيكون قرارا رئاسيا يضع مراجعة الاتفاق بيد الكونغرس في عملية طويلة ومتشعبه وسيقتصر فعل هذا القرار على الفرقعة الإعلامية والابتزاز السياسي في حين ان عرقلة الاتفاق والتدابير الاقتصادية المنبثقة عنه هي سيف ذو حدين لكونها تلحق الأذى بالشركات الأميركية والأوروبية التي تتطلع لإزالة حاجز العقوبات من طريقها إلى الأسواق الإيرانية الواعدة.
ما يخشاه الغرب ان يكون فرط الاتفاق تحريرا لبرنامج إيران النووي من أي قيد وبالتالي انطلاق الصناعة الإيرانية للطاقة النووية من عقالها وتطورها بسرعة قياسية بفعل امتلاك الجمهورية مخزونا كبيرا من اليورانيوم الخام يقدر بما يزيد على ألف منجم غير مستثمر بما يكفي لوضع إيران على قائمة كبار منتجي الطاقة النووية في العالم وكل شيء جاهز لمثل هذه النقلة من حيث امتلاك التكنولجيا وتوافر الطاقة البشرية الوطنية المؤهلة والباقي تفاصيل.
ما كتب قد كتب خلال حوالي أربعين عاما من الصراع فقد انبثقت القوة الإيرانية العظمى وانتهى الأمر الذي سعت لمنعه حكومات الولايات المتحدة وسائر دول الغرب الاستعماري ومنظومة الحكومات الرجعية العربية التابعة في المنطقة والكيان الصهيوني بالذات والذي اعتبر الصعود الإيراني خطرا وجوديا قبل جميع شركائه الآخرين الذين يملكون مساحات مناورة وهوامش للمساكنة مع القوة الإيرانية بينما تلك الهوامش شديدة الضيق بالنسبة للدولة العبرية.
شكل الاتفاق النووي ثمرة تطور حاسم في القوة الإيرانية الاقتصادية والسياسية والعسكرية وقف خلفه جبل من التضحيات التي بذلها شعب عنيد يتمسك باستقلاله وكرامته الوطنية وقيادة حازمة وحكيمة اتقنت الجمع بين صلابة الموقف ومرونة النهج السياسي الواقعي فنسجت شراكات وتحالفات وثيقة حصنتها بالقوة ومكنتها من مواجهة حصار طويل وقاس ومشدد أراد منه الحلف الاستعماري خلال أربعة عقود خنق البلاد ومنعها من التقدم.
حولت إيران القيادة والشعب ذلك التهديد إلى فرصة جدية فأنجزت ثورتها التقنية والصناعية واقتحمت ميادين العلوم الحديثة والمتطورة بجيوش من العلماء والمهندسين الذين تنتزع إنجازاتهم مزيدا من الإعجاب في جميع المجالات.
بكل اعتزاز وثبات تصدى الإيرانيون بتضامنهم الوطني للعربدة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وقدموا الدعم لشركائهم الجديين في مجابهة هذا الحلف العدواني بكل إيثاروسخاء فكانوا شركاء الصمود والمقاومة والنصر مع حلفاء كبار ومخلصين وشركاء موثوقين في سورية ولبنان والعراق وفلسطين واليمن.
هذا التوجه الاستراتيجي الذي رسمه المرشد آية الله السيد علي الخامنئي يمثل عقدة ضخمة وصعبة في وجه التهديد فهو يسور القوة الإيرانية اليوم بشبكة تضاعف القدرة الرادعة لإيران بمنظومة إقليمية أثبتت جدارتها بالعمل معا في انسجام وتناغم واستطاعت التفاعل مع الحليفين الصيني والروسي بجدارة منذ انطلاق العدوان على سورية حتى اليوم وجسدت مع هذين الشريكين مساحة واسعة من احترام الخصوصيات وضمان التراكم المستمر لعناصر القوة المشتركة في وجه التحديات.
الحملة الأميركية المتجددة ضد إيران تعبر عن فشل المشروع الأميركي للمنطقة وعن دور إيران المحوري في إفشال الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية التي اجتاحت الشرق منذ سنوات ومنيت بالهزائم وبقدر ما يبدو مستحيلا عكس الاتجاه وقلب التوازن فإن ذروة الطموح الأميركي الغربي والصهيوني هي محاصرة النتائج ومنع التحولات من بلوغ مداها انقلابا يطيح بمنظومة الهيمنة في المنطقة ويعرض الكيان الصهيوني للانهيار والهزيمة الشاملة.