اعترافٌ مُفاجِئٌ لليبرمان بانتصار الأسد عبد الباري عطوان
ربّما لا يُضيف أفيغدور ليبرمان، وزير الحَرب الإسرائيلي، جديدًا بالاعتراف بأنّ الرئيس السوري بشار الأسد انتصر في الحَرب المُستمرّة مُنذ ما يَقرب من سَبعة أعوام في حَديث أدلى به إلى مَوقع “والا” الإخباري الإسرائيلي ونَشَره فقَد فَسّر الماء بالماء، ولكن أهميّة هذا الاعتراف في نَظرنا تأتي من كَونه يعني اعترافًا بأن فُرص المَشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي أراد تغيير النّظام، وتَقسيم سورية إلى خَمسة دُول على أُسسٍ عِرقيّة وطائفيّة، مِثلما أفادت دراسة خرائط نَشرها مركز أبحاث الأمن القَومي في تل أبيب يوم الثلاثاء، باتت مَحدودةً جدًّا، إن لم تَكن مَعدومةً كُليًّا.
الاعتراف الثّاني الذي وَرد على لِسان ليبرمان ولا يَقل أهميّةً عن نَظيره الأوّل في المُقابلة نَفسها، تَمثّل في قَوله، وبمرارةٍ لافتةٍ “أرى طابورًا من دُول العالم يُغازل نظام الأسد.. فجأةً بدأت هذهِ الدّول تَلهث للتقرّب من الأسد وهذا أمرٌ غيرُ مَسبوقٍ”.
كان لافتًا ذِكر ليبرمان “الدّول العربيّة السنيّة المُعتدلة، في حَديثه عن “الطّابور” الذي يَطرق أبواب الرئيس الأسد مُغازلاً وطالبًا القُرب، فقَبل أسابيع مَعدودةٍ كان يَتحدّث، أي ليبرمان، عن هذهِ الدّول كحليفٍ استراتيجيٍّ لإسرائيل، ويُؤكّد أن العلاقات مَعها، والخليجيّة منها خُصوصًا قَطعت أشواطًا طويلةً على طريق التّطبيع والتّعاون في مُختلف المَجالات، فهل تراجعت هذهِ الدّول عن التّطبيع مع إسرائيل، أو بدأت تُخفّف من حِدّة اندفاعها في هذا الاتجاه بعد أن تيقّنت من انتصار المِحور الرّوسي الإيراني السّوري، وانضمام تركيا تدريجيًّا إليه، بعد أزمة الاستفتاء الكُردستاني ووقوف إسرائيل خَلفه؟
المَعلومات المُتوفّرة لدينا تُفيد بأنّ المملكة العربيّة السعوديّة تَخلّت عن الجُلوس خَلف مِحور القيادة في دَعم المُعارضة السوريّة ماليًّا وعَسكريًّا، بل تَخلّت عن العَربة نَفسها، وهذا ما دَفع السيد رياض حجاب، رئيس هيئة التّنسيق العُليا للمُعارضة إلى الهَجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، ليس بهَدف العِلاج، وإنّما يأسًا وإحباطًا، وبعد أن قالتها السعوديّة له وزملائه بكُل وضوح، بأنّ عَليهم القُبول بأنّ وجود الأسد بات أمرًا حَتميًّا لا مَناص مِنه، وأن على المُعارضة البَحث عن أفكارٍ خلّاقة للتّعايش مع هذا الواقع الجديد، فقد بَدا حجاب في صِحّةٍ جيّدةٍ أثناء لِقائه بالسيّد عادل الجبير، وزير الخارجيّة السّعودي في نيويورك أثناء حُضور الأخير اجتماعات الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة، أمّا دولة قطر التي جَرى نَزعها من هذا المَقعد، أي مَقعد القيادة، لمَصلحة السعوديّة، وإجلاسها في المَقعد الخَلفي، مِثلما قال رئيس وزرائها الأسبق الشيخ حمد بن جاسم، فقد غَسلت يَديها فيما يَبدو من المُعارضة السوريّة، أو هكذا يَعتقد الكثيرون، وباتت تُقيم علاقاتٍ استراتيجيّة مع إيران، الحَليف الأوثق للرئيس السّوري، وهُناك مُؤشّرات مُؤكّدة تُفيد بأن تركيا تسير حاليًّا على النّهج نَفسه، وتتردّد أنباء ذات مِصداقيّة عالية تُفيد بأن وفودًا أمنيّة تركيّة التقت نظيراتها السوريّة عدّة مرّات بوساطة روسيّة للتّنسيق في جَبهاتٍ عديدةٍ بَينها جبهة إدلب التي ستُشعل نار حَربها خلال أيّام، والرقّة أيضًا إلى جانب مَلف الطّموحات الكُرديّة في الاستقلال والانفصال.
الرئيس السوري بشار الأسد كان أقل اندفاعًا من ليبرمان عندما تَجنّب الذهاب بعيدًا وإعلان الانتصار على المَشروع الأمريكي، وكان أكثر تعقّلاً، وربّما تواضعًا أيضًا، عندما قال في إحدى لقاءاته قبل أيّامٍ مَعدودةٍ بأنّ النّصر لم يَكتمل بعد، رُغم التقدّم الكبير الذي حَقّقه الجيش العربي السوري في جَبهاتٍ عديدةٍ خاصّةً كَسر الحِصار المَفروض على دير الزور، واستعادة مُعظمها وبَعض آبار النفط والغاز فيها، بحيث لم يَبقَ غير مدينة إدلب خارج سَيطرة الحُكومة السوريّة، والرقّة بدرجةٍ أقل.
بَقيت مَعركتان لا تقلاّن أهميّةً عن كل المَعارك السّابقة، الأولى مَعركة المُصالحة الوطنيّة، وما يَتفرّع عنها من سُلّمٍ اجتماعي، وعَودة التّعايش في إطار مُشاركةٍ سياسيّةٍ حقيقيّةٍ على أرضيّة انفتاحٍ إصلاحيٍّ ديمقراطي، وهُناك مُؤشّراتٍ جديّةٍ في هذا الإطار يُمكن أن تتبلور في الجَلسة المُقبلة لمُؤتمر جنيف الذي سَيكون نُسخةً سياسيّةً من نَظيره العَسكري في الآستانة، أمّا الثانية فهي مَعركة الإعمار التي لا يُمكن الفَوز فيها إلا بعد الانتصار في الأولى.
خِتامًا نقول أن اعتراف ليبرمان بانتصار الأسد سيَنزل بردًا وسلامًا على قُلوب الكثيرين في سورية، لأنّه صادرٌ عن قيادي من عَدوٍّ شَرس شَنّ أكثر من مِئة غارةٍ في العُمق السّوري بهَدف استفزاز القيادة السوريّة، وجَرّها إلى حربٍ من الصّعب عليها خَوضها والانتصار فيها، وهي التي كانت تُقاتل على أكثر من خَمسين جَبهة داخليّة دُفعةً واحدة.
المُؤامرة كانت خطيرةً ومَحبوكةً، وقد يَكون ما حَدث في سورية من دمارٍ وقَتلٍ وتَهجيرٍ ونَزف، هو أحد فُصولها، وقد نَراها تنتقل إلى دولةٍ أُخرى، فالحُروب تتوالد، وأهلنا من العَرب والمُسلمين هُم وقودها، لكن الانتصار الأكبر بات وشيكًا جدًّا.. والأيام بيننا.
رأي اليوم