أميركا – أردوغان: اللعب على حافة الهاوية ليلى نقولا
تكلّلت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى تركيا بنجاح اقتصادي واستراتيجي، خاصة أنها أتت في وقت تشهد فيه العلاقات الأميركية التركية توتراً غير مسبوق في ظلّ الدعم الذي يقدّمه الأميركيون للأكراد سواء في سوريا أو العراق.
منذ بداية ما يُسمّى “الربيع العربي”، انخرط الأتراك والأميركيون في مشروع سياسي، يقوم على تغيير شامل في الأنظمة الحاكِمة في المنطقة، على أن يكون “النموذج التركي” هو المثال حيث يتم التزاوج بين العلمانية والإسلام، أو ما أطلق عليه “الإسلام المودرن”. في بداية تلك المرحلة ومع بدء عهد أوباما، ازدهرت العلاقات التركية الأميركية خاصة بعدما قام الرئيس باراك أوباما بزيارة تركيا كأول زيارة خارجية له إلى دولة إسلامية بعد تولّيه منصبه.
ومع تعثّر المشروع وسقوط محمّد مرسي في مصر، وتراجع أوباما عن توجيه ضربة عسكرية للإطاحة بالنظام السوري على أثر حادثة الكيماوي، ساءت العلاقات بين أنقرة والولايات المتحدة حيث اتّهم أردوغان الغرب بالتخاذل، وعدم دعمه في فكرة إنشاء منطقة عازلة في سوريا.
في المقابل، بلغ الاستياء الأميركي أشدّه عام 2014 حين رفض أردوغان الدعوات الأميركية المتكرّرة للمساهمة في عمليات التحالف الدولي ضدّ داعش. ثم عاد وقِبِل ذلك على مضض عام 2015، بعدما لجأ الأميركيون إلى الاستعانة بالأكراد لقتال داعش، وتوسّعت مهام التحالف الدولي إلى الداخل السوري.
وعلى أثر محاولة الانقلاب في تركيا، اتّهم أردوغان الاستخبارات الأميركية والغربية بمحاولة الإطاحة به، فأغلق قاعدة أنجرليك وقطع عنها الكهرباء، وبدأت البروباغندا المُعادية للغرب والأميركيين تنتشر في المجتمع التركي. ومؤخّراً، أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة “قادر هاس” على عيّنة من ألف شخص ونُشِر في تموز /يوليو 2017، أن المستطلعين يعتبرون الولايات المتحدة الخطر الأكبر على تركيا، بنسبة 66.5%، بينما كانت تلك النسبة 44.1% عام 2016.
وهكذا، يمكن القول أن الاختلاف بين الحليفين على السياسة في سوريا، دفع الأتراك إلى الانضمام إلى الترتيبات الروسية لمناطق خفْض التوتّر، بمقابل دعم أميركي مُطلَق للأكراد. أما في العراق، فيتّهم الأتراك الأميركيين بتشجيع البرزاني على رفع التحدّي بوجه حليفه رجب طيّب أردوغان والحكومة المركزية في بغداد. ويؤكّدون أن البرزاني لم يكن ليقوم بهذا التحدّي لولا حصوله على ضوء أخضر أميركي.
وهكذا، وإذا صحّ الاتّهام التركي للأميركيين، يكون الاستفتاء الكردي مجرّد نوع من الاستفزاز ومحاولة زرع عدم الاستقرار في كل من إيران وتركيا، لأن فكرة الاستقلال وتأسيس دولة بالقوة تبدو غير واقعية، لأسباب عدّة أهمها:
– أولاً؛ يُدرك الأميركيون جيّداً أن إنشاء دولة كردية قابلة للحياة أمر متعذّر، وذلك لأن الجغرافيا تلعب لغير صالح الأكراد. فدولة كردستان – العراق هي دولة داخلية مُغلقة تعيش في ظلّ محيط اقليمي معادٍ، لن يسمح لها بالحياة، فإن اتّفقت الدول المحيطة بالأكراد على حصارهم، لن يستطيعوا الصمود لوقت طويل.
– ثانياً، من ناحية القانون الدولي، تحتاج الدولة الكردية الوليدة إلى اعتراف الدول بها، كما تحتاج إلى موافقة أعضاء مجلس الأمن لكي تصبح عضواً في الأمم المتحدة، وعلى هذا الأساس، إن العديد من الدول سيحجم عن هذا الاعتراف لعدم تعكير صلاته بدول الجوار.
– ثالثاً، يعاني الأكراد طيلة تاريخهم من انقسام داخلي وتشرذم وتعدّد المرجعيات والأهداف، لذا من غير المُستبعَد أن يكون مصير دولة كردستان كمصير جنوب السودان التي ما إن استقلّت حتى دخلت في حرب أهلية طاحنة حوّلتها إلى دولة فاشلة.
– رابعاً، يمكن لكل من تركيا وإيران التذرّع بمحاربة الإرهاب للقيام بتدخّل عسكري في اقليم كردستان لإخضاعه، كما يمكن للأتراك التذرّع بحماية الأقلية التركمانية للتوسّع عسكرياً في الاقليم.
وهكذا، يبدو أن الأميركيين يحاولون دفْع أردوغان اليوم إلى مأزق اللعب على حافّة الهاوية، فهو لا يستطيع التخلّي عن حلفائه التقليديين والانسحاب من حلف الناتو لصالح الانخراط في حلف مع الروس بسبب إرث من التاريخ المُتناقض وعدم الثقة والاختلاف على سوريا، كما لا يمكنه التخلّي عن الروس الذين تربطهم به علاقات اقتصادية هامة، ويعدونه بتحويل تركيا إلى “محور الطاقة”، ويخشى في الوقت نفسه من أن يعمد الأميركي إلى تنفيذ سياسته بتقسيم المنطقة عبر تنفيذ دومينو انفصالي كردي يبدأ بالعراق ويمتد إلى إيران ولا ينتهي إلا بتقسيم تركيا نفسها.