الحرب الباردة بمختلف اشكالها: ويليام بلوم
يبدو أن الشعور المناهض للروس وللسوفيات في وسائل الإعلام الأمريكية ليست له حدود. يعتقد البعض أن لديهم ما يكفي من الوعي الذاتي وما يكفي من النزاهة الصحفية لكي يكونوا قلقين بشأن صورتهم امام الراي العام.
احدى تلك الحالات تجلت باستعراض صحيفة نيويورك تايمز لسيرة ميخائيل غورباتشوف، يقول التقرير إن غورباتشوف “لم يكن بطلا شعبيا” لأنه كان “مدمرا لإمبراطوريته”. هذه هي الطريقة التي تعتمدها الصحف من اجل تشويه أي صورة ايجابية عن الاتحاد السوفياتي أو عن الاشتراكية. وسيكون لديهم قراؤهم الذين يعتقدون بذلك، هذا ما يزعج الشعب الروسي، أكثر من الخسارة تحت حكم بيريسترويكا غورباتشوف.
ويرافق هذا التقرير اقتباس من تقارير العام 1996 لمذكرات غورباتشوف الخاصة التي قالت:
“ميخائيل غورباتشوف مصدر خجل في بلده. ولكنه الرجل الذي سحب العالم عدة خطوات إلى الوراء عن الحرب النووية ورفع الخوف عن مواطنيه، وساهم في أنهاء المغامرات الأجنبية الدموية [و] تحرير أوروبا الشرقية. … ولكن قلة شعبيته تعود للمحاولة السياسية التي اقدم عليها ولم تحظى الا بصوت واحد بالمئة من الشعب”.وبالتالي فإن عدم شعبية غورباتشوف تصل الى مرحلة “الغموض”، ذكرت يو إس توداي:
“عندما هدم جدار برلين [1989]، تصور الألمان الشرقيون انهم سينعمون بالحرية، لكن بعد عشر سنوات، قال 51٪ منهم أنهم كانوا ينعمون بالسعادة مع الشيوعية “.
تظهر استطلاعات الرأي السابقة ان أكثر من 51٪ عبروا عن مشاعرهم الحقيقة حول الاستقلال ولكن نسبة كبيرة من هؤلاء أي ممن شهدوا على الحياة في ظل الشيوعية قد توفي الان. وتقول الواشنطن بوست انه بعد 10 سنوات، أي في العام 2009:
“الغربيون [برلين الغربية] يقولون انهم سئموا مع نزعة نظرائهم الشرقيين إلى الحنين لأوقات الشيوعية”.
في فترة ما بعد التوحيد ولد مذهب روسي- شرق أوروبي جديد:
“كل ما قاله الشيوعيون عن الشيوعية كان كذبا، لكن كل ما قالوه عن الرأسمالية تحول إلى حقيقة.
وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى فلاديمير بوتين على أنه “استبدادي”، كما هو الحال، لدى معظم وسائل الإعلام الغربية. كل الإشارات تدل على وجود هذه السياسات الاستبدادية، على الرغم من وجود مثل هذه الأمثلة بالطبع، كما يفعل رجل يدعى ترامب وامرأة تدعى ماي وكل الحكومات الأخرى في العالم. ولكن من الواضح أنه إذا كان هناك حالة حول “استبدادية بوتين” فسوف تسارع وسائل الإعلام الغربية لتوثيقها؟.
ويشير التقرير الى انه لا يتعين على المرء أن يتساءل عما إذا كانت صحيفة نيويورك تايمز قد أشارت إلى الرئيس جورج ه. بوش كونه العين الساهرة على وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية.
كما هو الحال في الحرب الباردة الأولى، واحدة من المشاكل الأساسية هي أن الأمريكيين لديهم صعوبة كبيرة في الاعتقاد بأن الروس لا يشكلون أي خطر عليهم.
وأود أن أذكر ما يلي عن جورج كينان، واحد من أبرز الدبلوماسيين الأمريكيين:
“عبور بولندا مع أول بعثة دبلوماسية أمريكية إلى الاتحاد السوفييتي في شتاء العام 1933، كان غريبا، “لقد أدركنا فجأة، أن هؤلاء الناس الذين كنا نتعامل معهم كانوا كائنات بشرية مثلنا”، كتب كينان، “أنهم ولدوا في مكان ما، ولديهم طموحات طفولية كما كان لدينا. بدا للحظة اننا نستطيع اختراق واعتناق هؤلاء الناس ، ولكن ذلك لم يحدث بعد”.تحقيق كينان المفاجئ يذكرنا بجورج أورويل: واضاف: “مهمتنا الرئيسية اعادة التوضيح وهذه مهمة الرجال الاذكياء”.
وباء القومية
في هذا العالم ما يكفي من البلدان، ولكن هل هناك مجال لأي وفود أخرى في الأمم المتحدة؟ …هل يعتبر شعب كتالونيا، الذي يسعى إلى الاستقلال عن إسبانيا أنه أمة جديدة سوف تضطر إلى فتح مئات السفارات والقنصليات الجديدة في جميع أنحاء العالم، وملئها بالموظفين اصحاب الاجور العالية، وتوفير الشقق لهم والأثاث لكثير منهم، والعديد من السيارات الجديدة لكل وظيفة دبلوماسية. … كم من المليارات من الدولارات سوف تؤخذ كضرائب من الشعب الكاتالوني لدفع ثمن كل هذا؟.
وماذا عن الجيش؟ فأي بلد يحترم نفسه يحتاج إلى جيش وقوات بحرية. هل ستكون كاتالونيا الجديدة قادرة على تحمل تشكيل قوات مسلحة لائقة في منتصف الطريق؟، وهل سيتعين على البلد الجديد أن ينضم إلى منظمة حلف شمال الأطلسي بقدراته الدفاعية..
بالإضافة إلى ما سيكون عليه الاتحاد الأوروبي، فهل ستحل كتالونيا محل مدريد في فرض قيود قانونية كثيرة على الشعب الكاتالوني.ولم تلك المساعي كلها للحرية والديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الإنسان؟ هل كل شيء مقابل المال. مدريد تأخذ المزيد من الضرائب من كتالونيا من خلال عائداتها في الخدمات، وهو ما يمكن أن يقال عن العديد من العلاقات بين ولاية وأخرى في الولايات المتحدة، (ويفترض أن هناك أيضا بعض الكتالونيين ممن لديهم أسباب شخصية غريبة).
يصر القوميون الكتالونيون على أن “تقرير المصير” حق غير قابل للتصرف ولا يمكن كبحه من قبل الدستور الإسباني. حسنا، إذن، لماذا لا يحق للمقاطعات في كل مكان أن تعلن استقلالها؟ ماذا عن المدن؟ أو الأحياء؟.
وهناك العديد من الحركات المستقلة الأخرى في العالم، مثل الأكراد في العراق وتركيا، في اسكتلندا وبلجيكا وإيطاليا، وكاليفورنيا… ولكنها مترددة في الاعتراف بدولة جديدة خوفا من أن تشجع شعبها على الانفصال.
إذا كان الحب أعمى، فالقومية ستفقد حواسها الخمس.
قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين في مؤتمر للمستثمرين في نيويورك ان اعصار ايرما سيعزز الاقتصاد في نهاية الامر من خلال اعادة البناء.
“من الواضح أنه سيكون هناك تأثير على الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير، وسوف نقوم باللازم على المدى الطويل. كما أن إعادة البناء، من شأنها أن تساعد في زيادة الناتج المحلي الإجمالي. ولن يكون هناك تأثير سيء على الاقتصاد “.وبالتالي هل نفترض تعزيز الاقتصاد اكثر اذا كان الضرر اقوى بمرتين؟
وفي الوقت نفسه، في العالم هناك شيء يسمى تغير المناخ. وذلك يحتاج الى تغير نوعية حياتنا، لبقاء الكوكب. وقيام الشركات بتعديل سلوكها حتى تكون أكثر تأثيرا على بيئتنا؟… ماذا يمكننا أن نفعل لإقناع الشركات بالتصرف باستمرار كمواطنين صالحين؟.
التأميم ليس حلا سحريا على الأقل بالنسبة للبيئة. أكبر مصدر للضرر البيئي هو من صنع الإنسان في العالم – ولكن التخلي عن الشركات الخاصة سوف يقلل من التوجه نحو الإمبريالية وسوف تتلاشى الحاجة إلى الجيش ويمكننا أن نعيش مثل كوستاريكا. إذا كنت تعتقد أن ذلك من شأنه أن يضع الولايات المتحدة في خطر من الهجوم، من فضلك قل لي من سيهاجمها، ولماذا؟. الحجة التي أود استخدامها عند التحدث إلى أولئك الذين لا يقبلون فكرة أن الظواهر الجوية المتطرفة هي من صنع الإنسان هي:حسنا، يمكننا المضي قدما في واحدة من الطريقتين يمكننا أن نبذل قصارى جهدنا للحد من تأثير الاحتباس الحراري من خلال الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز) في الغلاف الجوي، وإذا تبين أن هذه الانبعاثات لم تكن في الواقع سبب جميع الظواهر الجوية القاسية، فسنكون قد فقدنا الكثير من الوقت والجهد والمال (على الرغم من الفوائد الأخرى للنظام الإيكولوجي المستمر).
ولا يمكننا أن نفعل أي شيء على الإطلاق للحد من انبعاث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وإذا تبين أن هذه الانبعاثات هي في الواقع السبب الرئيسي لجميع ظواهر الطقس المتطرفة ثم نحن “نفسد الارض والحياة التي نعرفها”.
إذن، هل أنت مقامر؟
الفيلم الوثائقي الفيتنامي الجديد
فى بداية الفيلم الوثائقى الجديد الذى قدمه كين بيرنز حول الحرب الامريكية في فيتنام قال الراوي ان الحرب “بدأت بسوء فهم وازدراء اميركي” ولكن يمكن أن تكون المشاركة الأمريكية الأولى في فيتنام مميزة بمشهدين:
(1) مساعدة الإمبرياليين الفرنسيين في معركتهم ضد القوات التي يقودها هو تشي مينه من فيتنام الشمالية
(2) إلغاء الانتخابات التي من شأنها أن توحد شمال وجنوب فيتنام كأمة واحدة لأن الولايات المتحدة وحلفاءها في فيتنام الجنوبية يعرفون أن هوشي مينه سيفوز..
لا شيء من حسن النية أو اللياقة موجود في هذا السيناريو. ولا سوء فهم. كان هو تشي مينه الذي حاول إعلان الاستقلال. خلال إعلانه الفعلي في العام 1945 قال “ان جميع الرجال على قدم المساواة، وقد منحهم خالقهم حقوقا غير قابلة للتصرف، من بينها الحياة والحرية والسعي من أجل السعادة”. لكن هو تشي كان يسمى “شيوعيا”.
استنتاج دانيال إلسبرغ حول دور الولايات المتحدة في فيتنام:
“كنا على الجانب الخطأ. كنا الجانب الخطأ “…….
كان هناك بلد يسمى ليبيا. وهي تتمتع بأعلى مستوى من المعيشة في كل أفريقيا، شعبها لم يحصل على التعليم المجاني والرعاية الصحية فحسب، بل على جميع المزايا الأخرى التي يمكن للأفارقة الآخرين أن يحلموا بها. وكانت أيضا دولة علمانية، ونوعية تعتز بها أفريقيا والشرق الأوسط. لكن معمر القذافي في ليبيا لم يكن أبدا عميلا مطيعا لواشنطن. ومن بين أوجه القصور الأخرى، ان الرجل هدد باستبدال الدولار الأميركي بالذهب لدفع المعاملات النفطية، وخلق عملة أفريقية مشتركة، وكان مؤيدا قويا للفلسطينيين وعدوا لإسرائيل.
في العام 2011، كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون القوة الدافعة الرئيسية وراء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لإضعاف ليبيا والاطاحة بالقذافي.
كان الهجوم ضد ليبيا هو الهجوم الذي قالت عنه صحيفة نيويورك تايمز إنه هجوم كلينتون الذي “دافعت عنه”، امام الرئيس أوباما مستغلة نفوذها كوزيرة للدولة”. قصفت القوات الاميركية ليبيا يوميا تقريبا لأكثر من ستة أشهر . وكان العذر الرئيسي الذي تم تقديمه هو أن القذافي كان على وشك غزو بنغازي، مركز خصومه، وبالتالي فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كانا ينقذان سكان تلك المدينة من المجزرة. وبطبيعة الحال، ابتلع الشعب الأمريكي ووسائل الإعلام الأمريكية هذه القصة، على الرغم من عدم تقديم أي دليل مقنع على المجزرة الوشيكة المزعومة.
وفي تقرير رسمي للحكومة الأمريكية في هذا الشأن – وهو تقرير الكونغرس عن الأحداث في ليبيا خلال هذه الفترة – لم يتم ذكر المذبحة المزعومة على الإطلاق، وسبب قصف الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي.
فقد ادى القصف الى انتشار ترسانة القذافي العسكرية بشكل واسع النطاق في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. واصبحت ليبيا هي الآن ملاذ للإرهابيين، من تنظيم القاعدة إلى داعش، في حين أن القذافي كان عدو الارهابيين الأبرز.
وقد دعت كلينتون لتغيير النظام في سوريا وساهمت في الغزو الأمريكي للعراق العام 2003 حيث كانت سيناتورا داعما لهذا القرار.
اليس هذا كافيا للقبض على تلك المرأة؟…. وهناك مغامرة أخرى في السياسة الخارجية، وهي واحدة يتم تجاهلها تماما والقلة يعرفون عنها، وهي الإطاحة بالمعتدل مانويل زيلايا في هندوراس بيونيو، 2009. حيث كانت تسعى الجماهير لوضع زعيم ملتزم بعكس الوضع الراهن، عازمة على محاولة وضع حد لقرنين من القمع … وقبل فترة طويلة تم الاطاحة بالجيش الديمقراطي – في حين أن الولايات المتحدة – إن لم تكن العقل المدبر وراء الانقلاب – الا انها لم تفعل شيئا لمنعه أو لمعاقبة نظام الانقلاب، كما أن الولايات المتحدة وحدها يمكنها أن تعاقب، وفي الوقت نفسه يدعي مسؤولون في واشنطن أنهم يشعرون بالضيق الشديد إزاء هذه “الإهانة للديمقراطية”.
مقاطعة كولومبيا
كم من الناس في جميع أنحاء العالم يعرفون أنه في واشنطن العاصمة (مقاطعة كولومبيا، حيث أعيش)، عاصمة الولايات المتحدة – البلد الذي يحاضر دائما “بالديمقراطية” – المواطنون لم يكن لديهم كلمة الفصل في صنع القوانين التي تحدد سبل حياتهم في مدينتهم…. كما أن العديد من الأمريكيين لا يعرفون ذلك.
وفقا للدستور الأميركي (القسم 8) الكونغرس لديه كلمة الفصل، وفي السنوات الأخيرة منعت المدينة من استخدام الضرائب المحلية لدعم إعالة الإجهاض للنساء، وعرقلة استخدام الماريجوانا القانونية، ومنعت بعض الضرائب، وحظرت قانونا ينص على أن أصحاب العمل لا يستطيعون التمييز ضد العمال بناء على قراراتهم الإنجابية، وفرضوا على المدارس الخاصة نظام المدارس العامة، وسرعان ما حظر قانون الانتحار بمساعدة المقاطعة الجديد (الذي تم حظره بالفعل في مجلس النواب) . وعلاوة على ذلك، وبما أن العاصمة ليست ولاية، فإن مواطنيها ليس لديهم أي ممثلين في مجلس الشيوخ وممثلهم الوحيد في مجلس النواب ليس لديه سوى حق التصويت الرمزي. لم يتمتع سكان العاصمة حتى بحق التصويت للرئيس حتى العام 1964.
وفي بروكسل في العام 2015، صوتت منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة رسميا على قبول مقاطعة كولومبيا كعضو جديد. إن منظمة الأمم المتحدة للمنظمات غير الحكومية هي منظمة ديمقراطية دولية يتكون أعضاؤها من السكان الأصليين والأقليات والأراضي غير المعترف بها أو المحتلة التي تعاونت لحماية وتعزيز حقوقهم الإنسانية والثقافية والمحافظة على بيئاتهم وإيجاد حلول غير عنيفة للصراعات التي تؤثر عليهم.
غلوبال ريسيرتش
الكاتب دبلوماسي سابق عمل في الخارجية الأميركية لسنوات عديدة وهو مؤلف كتاب ” الدولة المارقة” الذي تضمن سردا تاريخيا لامعا وموثقا لحروب الولايات المتحدة ضد شعوب العالم ولتجارب الأسلحة الجرثومية والكيماوية في قلب الولايات المتحدة وآثارها الكارثية على المواطنين .
ترجمة: وكلة اخبار الشرق الجديد- ناديا حمدان
https://www.globalresearch.ca/cold-war-then-cold-war-now/5610810