بقلم غالب قنديل

إنهم ينسفون الطائف

غالب قنديل

الذين واكبوا الصراع السياسي اللبناني الداخلي منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 ومن رافقوا مخاض اتفاق الطائف يدركون ان هز بند العلاقات اللبنانية السورية المميزة يساوي نسف الاتفاق برمته بما يتضمنه من التزامات تتعلق بالتوازن الداخلي للسلطة السياسية وسوى ذلك من البنود فالعلاقة اللبنانية السورية كانت منذ البداية ركنا تأسيسيا في معادلة الوفاق الوطني وقد اعتبرت ترجمة حية لعروبة لبنان كما حسمها مؤتمر الطائف.

جاء في البند رابعا من الاتفاق حرفيا : “إن لبنان، الذي هو عربي الانتماء والهوية، تربطه علاقات أخوية صادقة بجميع الدول العربية، وتقوم بينه وبين سوريا علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة، وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون بين البلدين وسوف تجسده اتفاقات بينهما، في شتى المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كل منهما. استناداً إلى ذلك، ولان تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المتميزة، فإنه يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان في أي حال من الأحوال. وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سوريا. وإن سوريا الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته.”.

جميع الاتفاقات الثنائية التي أبرمها البلدان كانت تجسيدا لمضمون هذا البند ومن موقع رعاية المصالح اللبنانية والسورية المشتركة ومعظمها يحمل توقيع الرئيس الراحل رفيق الحريري وهي ما تزال قائمة قانونا ولم تلغ وكذا هي معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق وما انبثق عنها عمليا أي المجلس الأعلى اللبناني السوري كهيئة عليا للتنسيق بين الدولتين ومعه اللجان الوزارية المشتركة التي تعطلت.

الرئيس سعد الحريري ليس ملما كفاية بوقائع تلك المرحلة فقد كان بعيدا عن العمل السياسي في لبنان بقرار من والده الراحل لكن السيد وليد جنبلاط كان ركنا في الحياة السياسية وتابع من مكتب عبد الحليم خدام في دمشق تفاصيل مفاوضات الطائف واطلع على النقاشات بينما كان الرئيس نبيه بري على تنسيق تام مع النائب السابق زاهر الخطيب الذي مثل الحلف الوطني مجتمعا في المؤتمر.

يكرر العارفون منذ التسعينيات ان هز بند في الطائف يهد بنيانه كاملا فكيف ببند تأسيسي كهذا وبالتالي فالعبث بالعلاقة اللبنانية السورية امر غير مسموح به بدافع من نزوة او مزاج او نتيجة اوهام أراد أصحابها اختبارها كما جرى منذ انخراط قوى الرابع عشر من آذار في آلة العدوان على سورية خلافا لنص الاتفاق وما ترتب عليه وفرضية اعتبار الدافع والمبرر اتهام سورية باغتيال الرئيس الحريري ساقطة كليا بعد التشعبات التي سلكها التحقيق الدولي المشبوه والاتهام السياسي المدبر في جميع مراحله.

رفض الاتصال بسورية هو تصميم على قطيعة تضر بلبنان وتؤذيه اقتصاديا وسياسيا حتى الاختناق ولو ان الدولة السورية تبدي تصميما على عدم اتخاذ إجراءات سلبية ضد لبنان رغم كمية الردح والشتائم التي تكيلها ألسنة الساسة المنتمين إلى معسكر خصومها داخل لبنان والذين داخوا في موجة هستيريا الهزيمة وسقوط الرهانات الخائبة.

وكذلك يصر الرئيسان ميشال عون ونبيه بري والسيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله ومعهم أركان الثامن آذار على حماية الوفاق الداخلي الهش ويكتفون بالخطوات البطيئة الممكنة على خط العلاقات مع سورية والتي ترمي السعودية بثقلها لمنع تحسنها رغم الحاجة اللبنانية الماسة لذلك.

المفارقة الخطرة هي ان خصوم سورية يتشدقون بالطائف ويتهمون الآخرين باستهدافه بينما هم يحفرون قبره بأيديهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى