نصرالله : القوة والمبادرة
غالب قنديل
يكاد قائد المقاومة السيد حسن نصرالله يحدث في كل خطاب تغييرا في معادلات القوة ويستنبط جديدا للخطاب التحرري المقاوم في وجه منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وكان خطابه الأخير مكرسا للجديد القوي في مجابهة الكيان الصهيوني .
أولا أشهر السيد معادلة الردع بكل ثقلها ووزنها في إعلانه ان أي مغامرة حربية صهيونية من طراز ما يهدد به ويعمل له بنيامين نتنياهو لن تبقي مكانا آمنا في كل ارجاء الكيان الصهيوني وهو يبين للعدو حقيقة ما تملك المقاومة من ادوات عسكرية متطورة وما لديها من خطط الدفاع المؤلم لصد أي عدوان وحيث باتت روافد القتال والمجابهة كثيرة وكثيفة لا تنحصر فحسب بالجيش العربي السوري وحزب الله او بالدعم الإيراني ولم يفصل قائد المقاومة هذا البعد في حجم الطاقات القابلة للحشد والانخراط في القتال حين تقع الحرب وقد سبق ان عرض ذلك بالتفصيل كما عرض قادة الكيان الاحتمالات ومروحة المشاركة في ضوء صعود الحشد الشعبي العراقي وفتح الحدود السورية العراقية ومع ظهور فصائل محاربة في الميدان السوري متعددة المشارب محور تكوينها فلسطين وقد اعترف بعض الخبراء بان هذه المؤشرات تقود إلى توقع جحيم رهيب ردا على أي عمل عسكري بحيث تقع حرب طاحنة ستغطي نيرانها كل حبة تراب من فلسطين المحتلة.
ثانيا ميز السيد نصرالله عامدا بين اليهود والصهاينة وهذا هو المنطق العلمي والعملي في إدارة الصراع وقد طمسه وغيبه الخطاب العربي العاطفي في السابق بصورة جعلت الكيان أشد تماسكا بينما خبرة قائد المقاومة تقول بأن تعميق الشروخ والتناقضات والتعارضات داخل الكيان هو امر متاح ويستحق الجهد لخلخلة الجبهة الداخلية للعدو وقد بلور السيد خطابه بذكاء وبواقعية شديدة عندما طالب اليهود غير الصهاينة بتمييز انفسهم ثم عندما دعاهم إلى مغادرة الكيان قبل ان يدفعوا ثمن مغامرات نتنياهو الحربية العدوانية مالم يستطيعوا منعها وهو بذلك صاغ لدعوته مضمونا عمليا وبمهمة محددة هي التحرك ضد الحرب ثم محاولة منع الحرب او المغادرة إذا تعذر ذلك.
هذه اللغة العملية والواقعية تتوج تجربة طويلة وخبرة مهمة في تعاطي المقاومة وقائدها مع الداخل الصهيوني خلال حقبة صراع ممتدة وحافلة وهي تستند إلى رصيد معنوي من التأثير والمصداقية لشخصية السيد حسن نصرالله داخل الكيان الصهيوني فلم يسبق لهذا القائد ان وجه إنذارات كاذبة او تلاعب بالكلمات للتهويل دون القدرة على ترجمة المعادلات.
ثالثا يعترف القادة الصهاينة للسيد بأنه كلما أطلق معادلة يقود فحص الوقائع جميع الخبراء والمسؤولين إلى تاكيد الإمكانية العملية لترجمتها عسكريا وهم ينادون بأخذها على محمل الجد وهذا ما حصل في جميع المراحل السابقة وقد تم اتخاذ إجراءات وتدابير عملية بناء على إنذارات السيد نصرالله وسط جمهور مذعور وهذه حالة متواصلة منذ معادلات القصف الصاروخي للمستعمرات في شمال فلسطين المحتلة ردا على استهداف المدنيين في الجنوب حيث فرض حزب الله الإذعان للردع في تموز 1993 ثم في تفاهم نيسان 1996 ومن وراء العدو اجبرت الولايات المتحدة على تلبية شرط الرئيس الراحل حافظ الأسد بإذاعة التفاهم في بيان رسمي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية متضمنا حق المقاومة بالرد.
امتلاك القوة والقدرة المتعاظمة لدى المقاومة ومحورها الإقليمي بات كابوسا لقادة الكيان الصهيوني وخطاب قائد المقاومة سيطلق موجة جديدة من كوابيس القلق عند الجمهور داخل الكيان الصهيوني وقد حدد السيد لمن يريد أبواب النجاة بالتمايز داخل فلسطين المحتلة عن الصهاينة فاليهود ليسوا أعداءنا بالمطلق ومن ثم التميز العملي بالتصدي لنزعة الحروب التي يجسدها نتنياهو وهي نزعة خرقاء سبق لقائد المقاومة ان وصفها بغياب الواقعية والعجز عن فهم التحولات الجدية في ميزان القوى عبر الاندفاع في مغامرات خاسرة وهو خاطب الجمهور بلغة مباشرة وواقعية.
رابعا لغة جديدة تطلقها قيادة عربية قادرة وقوية تعلمت من التجارب وهي تدير الصراع بنضج فكري ثقافي نوعي بحيث تعزز فرص تفكيك الكيان وتعميق تصدعاته الداخلية وهذه اللغة موجهة كذلك إلى اليهود في العالم كله بحيث يحرم الصهاينة من مساحات تعاطف ومساندة وتتعزز موجة الحراك المناهض للصهيونية ومغامراتها العدوانية وهذا تعبير عن ذكاء استراتيجي يؤسس لتحولات قادمة في ردود الفعل على أي حرب مقبلة.
القوة والمبادرة والنضج الاستراتيجي سمات نوعية حاسمة في شخصية قائد تاريخي فذ بارع في إدارة الصراع يستند إلى حزب متجدد مبدع صلب ومبادر يعزز من قدراته وقواه بما يتخطى نطاق لبنان إلى ميادين المواجهة القومية الشاملة وهو يتمثل دروس التجارب السابقة بكل عمق وواقعية.