بقلم ناصر قنديل

كردستان العراق ليست الصحراء الغربية ولا جنوب السودان :ناصر قنديل

رغم الربط العضوي الذي يقيمه الكثيرون بين حركات الانفصال والتقسيم لكيانات المنطقة، ومشاريع استعمارية ليست إسرائيل ببعيدة عنها. ورغم الربط المعاكس الذي يقيمه آخرون بين هذه الحركات وتطلّعات تاريخية لشعوب مشبعة بهوية عانت تاريخياً من الاضطهاد وتتطلع لتوقيت مناسب للاستقلال، لا تبدو التجارب التي عرفتها الكيانات التي ولدت من رحم هذا التزاوج، بين مشاريع خارجية تشجع على التفتيت وتطلعات محلية لحلم الاستقلال وبناء الدولة، تجارب توحي بالنجاح والقدرة على الحياة، سواء ما بدا منها لحظة ولادته مدفوعاً بخيار وطني معادٍ للغرب كتجربة إعلان الجهورية الصحراوية في الصحراء الغربية للمغرب، أو ما كان علناً على تنسيق وتعاون مع «إسرائيل» كجنوب السودان، أو ما كانت تجربته محكومة بالضعف في الموارد والسكان كالصحراء الغربية، وما كان بمقدرات سكانية وثروات طبيعية وازنة كجنوب السودان .

مَن ينظر لخارطة المنطقة فسيرى في جنوبها جنوب السودان وفي غربها الصحراء الغربية وفي شمالها الشرقي كردستان العراق، وسيرى فلسطين المحتلة حيث كيان الاحتلال في الوسط، فلا يستطيع إبعاد فكرة الربط بين مشاريع على الأطراف بمشروع يقع في المركز، ولا يستطيع أن يشيح بنظره عن صورة الخارطة التي تشغل البال بتطويق الدول العربية بثلاث دول، انفصلت عن محيطها، وربطها بخطة افتراضية واحدة، لكن السؤال الذي يقفز فوراً إلى الواجهة، هو تناقض الهويات السياسية لحكوماتها أولاً. فجمهورية الصحراء رغم طابعها الانفصالي، لم تتحول لكيان تابع للغرب ولا على علاقة بـ إسرائيل ، بل لا تزال على علاقة طيبة بجاريها الجزائر وموريتانيا، ومواقف البلدين مشهود لها بالوقوف في صف القضية الفلسطينية وبالتمسك بالاستقلال عن الغرب، ومناهضة مشاريعه وحروبه في المنطقة، بينما جنوب السودان يجاهر بعلاقته المميزة بـ إسرائيل ، والقيادات الكردية التي تتزعّم حركة الانفصال تقيم علاقات تاريخية بـ إسرائيل ، لكنها لا تجاهر بها على طريقة جنوب السودان.

مسار تجربتَيْ الصحراء الغربية وجنوب السودان، انحداري سياسياً واقتصادياً ومعنوياً، خلال السنوات التي تلت إعلان الاستقلال. فجمهورية الصحراء فقدت أكثر من ثلاثة أرباع حالات الاعتراف الدبلوماسي التي عرفتها مع الإعلان، وتعيش ظروفاً اقتصادية اجتماعية قاسية، رغم عدد سكانها المحدود، ولا تبدو قادرة على المضي بالصمود طويلاً. وجمهورية جنوب السودان رغم ثرواتها المعدنية والنفطية، دخلت في نزاعات وحروب وانقلابات، جعلت الحياة فيها جحيماً لسكانها، ووضعتها بين الدول التي تصنفها الأمم المتحدة بالأسوأ في مجال الفقر والصحة والتعليم وحقوق الإنسان، ما يعني أن حجم الدعم لقيامها لا يعطيها صفة المشروع الاستراتيجي لدول كبرى، بل يضع دعم الانفصال في خانة التوظيف السياسي التكتيكي، من جهة، ولا يقدّم عبرها لمشاريع الانفصال الأخرى التي يشكل مشروع كردستان الراهن بينها مثالاً مشجعاً، لا على فرص الحياة، ولا على حجم الدعم الفعلي، رغم كل التحليلات عن تمثيلها قاعدة ارتكاز لتموضع أميركي و إسرائيلي على حدود إيران، يبدو حلماً أكثر منه فرصة واقعية قابلة للتحقق.

بالرغم من التشابه بين حال كردستان العراق وحال جنوب السودان، تبدو حال كردستان أصعب وأسوأ من حال جنوب السودان، وبالتأكيد أصعب وأسوأ من الصحراء الغربية ضمناً، فالذي يختلف جذرياً بين كردستان وتجربتي الصحراء الغربية وجنوب السودان، هو حجم الاستعداد للإعتراف بالدولة الجديدة وإقامة علاقات تجارية ودبلوماسية معها، بصورة عامة، وعلاقتها بدول الجوار وموقفها ودرجة توترها واستنفارها ضد قيام دولة الانفصال خصوصاً، ومكانة هذه الدول وشبكة تأثيرها والمجال الرادع الذي تنشئه مواقفها بوجه فرص الانفتاح على دولة الانفصال. فالسودان كمعني أول ومعه منظمة الوحدة الإفريقية كمعني إقليمي، ومن خلفهما الأمم المتحدة، كانوا في طليعة المرحبين بدولة الانفصال الجنوبية، وموريتانيا والجزائر الجارين الأقرب لجمهورية الصحراء كانا الداعمين الرئيسيين لقيام دولة الانفصال، ومن خلفهما منظمة الوحدة الإفريقية، كمعني إقليمي، وأكثر من ثمانين دولة بادرت للاعتراف فوراً بالدولة الناشئة، بينما في حال كردستان نحن أمام حدود مغلقة لأربع دول مهمة وفاعلة وحساسة ووازنة، هي تركيا وسورية والعراق وإيران، تعارض بقوة وجودياً فيام دولة الانفصال، ومن خلفها لا رابطة إقليمية ولا إطار دولي سيجرؤ على التعامل مع دولة الانفصال، وحجم الحصار الذي يفرضه الجوار خانق ووجودي لكيانها.

الحركة الانفصالية الكردية تأتي في سياقها الخاص، لكنه من جهة سياق لا يبشر هذه الحركة بالنجاح من جهة، ويرافقها بظروف ومعطيات أشدّ قسوة من سابقاتها، ما يجعلها مجرد مشروع انتحار سياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى