اليسار واليمين الإسرائيلي… رؤى بعيدة عن الواقع: بن ـ درور يميني
ثمة شيء ما مخيب للآمال في ردود الفعل المتوقعة مسبقا على العملية. مرة أخرى حصلنا على تكرار للكليشيهات، إياها، من اليسار مثلما من اليمين. فممثلو المعسكرات، كلهم تقريبا، ثابتون في تقسيم مَرّ زمنه. فاليسار واليمين على حد سواء يوجدان في حالة إفلاس. والعملية القاسية، بالتأكيد قاسية، تدفعهم فقط لأن يغرقوا أعمق في وحل ذواتهم
.
اليسار يريد «استئناف المسيرة السلمية». فهل المسيرة السلمية تمنع العمليات؟ وهل أولئك الذين يخرجون لتنفيذ عملية إرهابية هم محبو سلام يحاولون العمل على تحقيقه بطرق عنيفة بعض الشيء؟
فالعمليات الإرهابية الفتاكة كانت في السنوات وفي الأيام التي نمت فيها المسيرة السلمية وازدهرت. وموجة الإرهاب الكبرى، الانتفاضة الثانية، جاءت بعد أن اجتازت إسرائيل الروبيكون ووافقت، لأول مرة حتى على دولة فلسطينية وحتى على تقسيم القدس. أما هذا فقد كان مجديا بقدر ما تجدي كاسات الهواء الميت.
اليمين يريد «ردا صهيونيا مناسبا». بمعنى، المزيد فالمزيد من البؤر الاستيطانية التي تسمى «أحياء جديدة». فمنذ متى، بحق الجحيم، يحل خلق السكان المشاكل؟ أين نجح هذا بالضبط؟ ومنذ متى أصبح تجسيد الحلم القديم لـ م.ت.ف، للدولة الواحدة الكبيرة، ثنائية القومية، رؤيا صهيونية؟ فهذا بالضبط ما تريده جبهة الرفض الفلسطينية. هذا ما يريده نشطاء الـ بي.دي.اس. وبالتالي فاليمين هو ما ينبغي أن يجسده؟ وهل الرد على الإرهاب يجب أن يكون تجسيدا لرؤيا منفذي الإرهاب؟
ينبغي الاعتراف بأن الإرهاب كان والإرهاب سيكون، مع أو من دون السلام. لأن الإرهاب يوجد أيضا في المكان الذي تسيطر فيه قوانين الشريعة والإرهاب يوجد أيضا في ألمانيا، بريطانيا وفي فرنسا، التي ليس فيها لا حواجز ولا احتلال. فللإرهاب منطق خاص به، لا صلة مباشرة له بما تفعله أو لا تفعله إسرائيل.
ينبغي أيضا أن نتذكر ونُذكر بأن إسرائيل نجحت بالذات في مهمة تخفيض مستوى الإرهاب. فقد هُزم إرهاب الانتفاضة الثانية. وموجة عمليات السكاكين خبت، حتى وإن لم تنته. وعمليات الأفراد غير المرتبطة بأي تنظيم كانت وستكون على جانبي الخط الأخضر.
ولكن شيئا واحدا واضح: كلما كانت الجماعات السكانية متعادية، كسكان البؤر الاستيطانية من جهة ومؤيدي حماس من الجهة الأخرى، أكثر اختلاطا، يكون مستوى العنف أعلى. ومن يرد المزيد من الإرهاب عليه أن يقر المزيد من البؤر الاستيطانية إلى جانب المزيد من القرى. الفصل لا يصفي الإرهاب، بل يخفض مستواه فقط. غير أنه لا يوجد اليوم شريك للفصل بالاتفاق. وحتى لو اقترح نتنياهو على أبي مازن غدًا صيغة كلينتون، وخسارة أنه لا يقترحها، فالجواب السلبي معروف مسبقا.
هكذا بحيث لا تتبقى سوى خطة واحدة كثيرون وطيبون، من اليمين غير الدوغماتي واليسار غير الدوغماتي، قصدوها في السنوات الأخيرة: الفصل في ظل مواصلة السيطرة. هذه خطة بادر إليها واقترحها الكثير من خريجي جهاز الأمن.
وتسمى «خطة القادة العسكريين». الفلسطينيون سينالون اتونوميا اكثر بكثير، حكما ذاتيا أكثر بكثير، من جهة، وإسرائيل تواصل السيطرة في خط نهر الأردن وكذا في كل نقطة حيوية للأمن، من جهة أخرى.
لا يوجد حل سحري لمشكلة الإرهاب وحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. ولكن يوجد طريق ينقذنا من رؤيا الدولة الواحدة، ثنائية القومية، ويعيدنا إلى مسار الدولة اليهودية. لا يوجد في هذا المسار مظاهر مثلى كما يسوقها لنا محبو الكليشيهات. ولكن يوجد في هذا المسار أمل متواضع لقدر أكبر من سواء العقل والحياة الطبيعية.
يديعوت