بقلم غالب قنديل

حول المسألة الكردية

 

غالب قنديل

من أشدّ لحظات الحيرة السياسية استعصاء الجمع بين الموقف المبدئي والموقف السياسي الراهن، الذي تحكمه التباسات متقادمة وإشكاﻻت متراكمة، وهذا ينطبق بصورة شديدة على موضوع استفتاء كردستان العراق .

أولا: إن المسألة الكردية في المنطقة شكلت بؤرة استثمار استعمارية منذ القدم، وعندما رسم المستعمرون الخرائط الكيانية الحديثة، تعمدوا حذف القومية اﻷرمنية لتكريس الشتات، الذي خلفته مجازر العثمانيين، بينما حذفوا القومية الكردية بتوزيع جغرافية انتشارها داخل الكيانات المعترف بها لتركيا والعراق وايران. وكانت حصة سورية الرئيسية ما راكمته عمليات التهجير الجماعي الناتجة عن حملات منظمة في تركيا والعراق، حيث كانت وجهة النزوح الكردي الى سورية من العراق وتركيا مصدرا لتجمع سكاني في مناطق حدودية. بينما كان اﻷكراد الموجودون في سورية قبل ذلك في حالة اندماج تراكمي داخل المجتمع السوري.

ثانيا: تلاقت جميع الحكومات على اختلافها وافتراقها على رفض اﻻعتراف بحقوق الأكراد الثقافية والوطنية داخل كياناتها، وهو ما زاد من حدة التوتر واﻻستقطاب، ومن وتيرة استغلال الاستعمار لاستثمار بؤر الاضطراب، ولتسويغ التدخلات الاجنبية، ولاختراق البيئة السياسية الكردية، التي حضرت فيها قيادات تقليدية ورجعية استقرت في حضن الغرب والناتو، وطلبت ود الكيان الصهيوني. وهذا ما فاقم الكراهية والتشنج ازاء أي مطلب كردي، وعزز ثقافة عنصرية ضد الأكراد، ذهب بها بعض التيارات نحو تجريم جماعي يخالف أي منطق إنساني سليم. وعلى الرغم من وجود قيادات كردية تبنت مواقف داعمة لحركة التحرر العربية مثل الزعيم جلال الطالباني وحزبه السياسي او مواقف زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان، الذي كانت من أولى المهام القتالية، التي خاضها مع رفاقه، المشاركة في القتال ضد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1978. وهو المتشدد يساريا بالاعتقاد بوحدة الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي وعدم انفصال مفهوم التحرر الكردي عن تحرر المنطقة وشعوبها. وهو العارف بفضل سورية العربية على القضية الكردية في المنطقة. والمفارقة أنه بعدما سجن امتدت خطوط اتصال أميركية برفاقه، ما كانت لتحصل على اﻷرجح لو كان خارج المعتقل.

ثالثا: التوقيت الذي اختاره البرزاني ﻻستفتائه يفيض بالشبهة، والدعم الأميركي له واضح. وهو اداة سياسية لمنع استقرار معادلة جديدة تقرب العراق من محور المقاومة، بعدما نجح الحشد الشعبي، كقوة حية وفاعلة، في ترجيح هزيمة داعش، عكس الرغبة الأميركية. والمطلوب في اﻻستثمار اﻷميركي للأزمة الكردية منع استقرار المعادلة الجديدة، وحرمان العراق من نتائج النصر على داعش، وخلق ثغرة جديدة توسّع من فرص التدخل اﻷميركي، وتسمح بالتطلع إلى زعزعة استقرار ايران وسورية بواسطة عدوى الانفصال الكردي.

إن مصلحة شعوب المنطقة تقتضي الاعتراف بحق الاكراد في تقرير المصير، ضمن صيغة تكرّس الحرية والاستقلال عن الهيمنة الأميركية الصهيونية. وما يجري اليوم هو العكس، وأي تصور لمستقبل المنطقة يجب أن يلحظ حق الاكراد في تقرير المصير، بما ﻻ يشعل حروبا وصراعات جديدة، يريدها الأميركي والصهيوني، لينتقم ممن أفشلوا خططه الاستعمارية.

المطلوب اليوم تحرك عقلاني كردي يمنع الاستغلال، وتفهّم واضح، على المقلب العربي، للمطالب المشروعة من جهة اخرى، بعيدا عن العنصرية والكراهية والتخوين الجماعي. معادلة، نظريا قد ﻻ تعجب أحدا، لكن سيثبت الزمن الكلفة الباهظة التي سنتحملها نتيجة سيادة مواقف أخرى، قد تطلق حمامات دم ﻻ تفرح غير الصهاينة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى