مقالات مختارة

هل تركيا فعلاً ضد استفتاء كردستان واستقلاله؟: محمد نورالدين

 

تقف تركيا اليوم في المقلب الآخر من القوى التي تدعم استفتاء كردستان العراق على الاستقلال، وفي الخندق نفسه للقوى التي رفعت الصوت عالياً ضد الاستفتاء، وضد الاستقلال. لذلك نرى هذا التعاون الوثيق اليوم بين أنقرة وكل من بغداد وطهران .

السبب المباشر المتداول، والمعلن، والمستهلك، هو أن تقسيم العراق سيؤدي إلى تقسيم إيران، وتركيا، وسوريا. من حيث المبدأ هذا أمر منطقي وطبيعي، على اعتبار أن الأكراد في الدول الأربع من إيران وسوريا إلى العراق وتركيا، يطمحون، ويتطلعون إلى الاستقلال وتجسيد هويتهم القومية منذ أكثر من قرن، وازداد هذا التطلع حركة وسعياً واحتمالاً في العقود الأخيرة، ولا سيما بعد إعلان الفيدرالية في العراق في العام 2005.

ونظراً لأن المنطقة العربية والإسلامية تتعرض لمحاولات إضعاف وتفتيت، وربما إلى تقسيم، فإن دعوة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني إلى استفتاء على استقلال الإقليم واجه مواقف متناقضة، في أغلبيتها تدعوه للتراجع عن الدعوة، فيما التزمت دول أخرى الصمت ولم تؤيد الدعوة علناً سوى «إسرائيل».

لكن في التدقيق العملي، وفي عودة إلى الوقائع التاريخية نجد أن مواقف الدول ليست واضحة بما فيه الكفاية، بل إن بعضها يختزن من المواقف المتناقضة مع ما يطلقه في العلن. في مقدمة هذه الدول تركيا التي وقعت ضحية ازدواجيتها وسياساتها الملتبسة.

فتركيا كما هو معروف هي البلد الأكثر عداء للهوية الكردية، من منطلق شوفيني، حتى بلغ العداء درجة إن الأتراك لم يكونوا يطلقون على الأكراد داخل تركيا اسمهم بل اسم «أتراك الجبال».

لكن تركيا لم تكن تمارس هذه العدائية المطلقة تجاه أكراد الخارج على سبيل المثال. بل كانت من المساهمين في بلورة الكيان الكردي في شمال العراق منذ العام 1991 أي منذ حرب تحرير الكويت، وإنشاء الغرب في جنوب شرق تركيا قوة عسكرية من أجل حماية المنطقة الكردية في شمال العراق. وقد سهلت تركيا حركة الزعماء الأكراد، من أجل كسبهم إلى جانبها في مواجهة مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

وحين أعلنت الفيدرالية الكردية في دستور 2005 لم تفعل تركيا سوى الرضوخ للأمر الواقع، بل تجاوزته ليكون تعاوناً مطلقاً مع أربيل على حساب التعاون مع الحكومة المركزية في بغداد.

وأقامت أنقرة تعاوناً وثيقاً مع الأكراد باتفاقيات حول النفط، ونشطت الشركات التركية في كردستان. لكن الأدهى أن تركيا كانت تتجاهل بغداد وتتعامل مع كردستان كأنها دولة مستقلة. ولا ينسى أحد تلك الزيارة التسللية لوزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو إلى كركوك التي لم تكن تابعة لكردستان، بل لبغداد، من دون إذن الحكومة المركزية. بمعنى أن أنقرة كانت تشجع على تظهير الحالة الكيانية الاستقلالية لإقليم كردستان من أجل مصالحها (تركيا) الاقتصادية، من دون النظر بعيداً لانعكاسات ذلك على وحدة الأراضي التركية، مدفوعة بما تشعر به من «فائض قوة» قادر على قمع أي حركة انفصالية كردية في تركيا.

لكن اليوم، مع تهديد تركيا لإقليم كردستان والبرزاني بعدم إجراء الاستفتاء، وبالتالي إعلان الاستقلال، فإن علامات استفهام تُطرح وتُشكك في هذا الموقف العالي السقف الذي لم نتعود على مثله من تركيا تجاه إقليم كردستان.

تواصل تركيا سياسة اللعب على الحبال بين القوى المؤثرة في الشرق الأوسط، من سوريا والعراق، إلى الأزمة الخليجية. لكن تركيا تدرك أن الخطر المباشر عليها يأتي من حالة كيانية كردية مؤيدة لعبدالله أوجلان مثل تلك الموجودة في سوريا. وبالتالي فإن الموقف التركي القوي ضد استفتاء كردستان مرتبط بالضغط على واشنطن تحديداً، للتخلي عن أكراد سوريا، و«كوريدورهم»، حتى إذا تحقق ذلك وعادت الحرارة إلى خط انقرة – واشنطن، فإننا سنجد تركيا أول المهنئين بالدولة المستقلة في إقليم كردستان.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى