ترامب يمهد لعسكرة الدولة بعد حروب أوباما المستمرة : جيمس بيتراس
عززت الولايات المتحدة دور العسكر وجعلته اساسا في صنع السياسة الخارجية. ومن الواضح أن صعود “الجنرالات” إلى المناصب الاستراتيجية في نظام ترامب هو تعميق دورهم كقوة مستقلة ذاتيا لتحديد أجندات السياسة الاستراتيجية الأميركية .
في هذا المقال سنناقش الأسباب التي جعلت “الجنرالات” قادرين على فرض تعريفهم للحقائق الدولية.وسوف نناقش سيطرة الجيش على نظام ترامب المدني نتيجة تدهور رئاسته بعد المعارضة السياسية الكبيرة له.
سياسة الصعود العسكري
يرجع الدور المركزي للجيش في تقرير السياسة الخارجية الأميركية إلى القرارات الاستراتيجية التي اتخذت خلال رئاسة أوباما – كلينتون. وهناك عدة سياسات حاسمة ساهمت في صعود القوة العسكرية – السياسية التي لم يسبق لها مثيل.
1- أدت الزيادة الهائلة للقوات الأميركية في أفغانستان وما أعقبها من فشل وانسحاب إلى إضعاف نظام أوباما كلينتون وزيادة العداء بين الجيش والادارة السياسية. ونتيجة لفشله، اضعف أوباما السلطة العسكرية والرئاسية على حد سواء.
2- قصف الولايات المتحدة لليبيا والاطاحة بحكومة القذافي وفشل إدارة أوباما كلينتون في تثبيت “نظام دمية”، أكد على محدودية القوة الجوية الأمريكية وعدم فعالية التدخل السياسي العسكري الأميركي بينما فشلت الادارة في سياستها الخارجية في شمال أفريقيا وأظهرت عدم كفايتها العسكرية.
3- غزو سوريا من قبل المرتزقة والإرهابيين الممولين من الولايات المتحدة اظهر للجميع ان واشنطن حليف لا يمكن الاعتماد عليه في حرب خاسرة. وأدى ذلك إلى خفض الميزانية العسكرية وشجع الجنرالات على اعتبار سيطرتهم المباشرة على الحروب الخارجية والسياسة الخارجية الضمان الوحيد لمواقفهم.
4- كان التدخل العسكري الأميركي في العراق عاملا مساعدا ثانويا في هزيمة داعش، وكانت الجهات الفاعلة الرئيسية والمستفيدة هي إيران والميليشيات الشيعية العراقية المتحالفة.
5– دعم أوباما وكلينتون للانقلاب في أوكرانيا ادى الى مجيء المجلس العسكري الفاسد غير الكفء إلى السلطة في كييف. وأدى انفصال القرم وأوكرانيا الشرقية (المتحالفة مع روسيا) الى تهميش الجنرالات ووجدوا أنهم ربطوا أنفسهم بالكلوبوقراطيين الأوكرانيين مما زاد نسبة التوترات السياسية مع روسيا. فرض نظام أوباما عقوبات اقتصادية على موسكو، للتعويض عن إخفاقاته العسكرية والسياسية البغيضة.
إن إرث أوباما – كلينتون الذي يواجهه ترامب بني على ثلاثة اسس: نظام دولي يقوم على العدوان العسكري والمواجهة مع روسيا، “محور آسيا” الذي يعرف بأنه الحصار العسكري والعزلة الاقتصادية للصين – عن طريق التهديدات العدوانية والعقوبات الاقتصادية ضد كوريا الشمالية، واستخدام الجيش كحراس برتوريين لاتفاقيات التجارة الحرة في آسيا باستثناء الصين.يتكون إرث أوباما من نظام دولي رأسمالي معولم وحروب متعددة. وتعتمد استمرارية “إرث أوباما المجيد” في البداية على انتخاب هيلاري كلينتون.
وعدت حملة دونالد ترامب الرئاسية من جانبها بتفكيك أو إعادة النظر بشكل جذري في عقيدة أوباما للنظام الدولي القائم على الحروب المتعددة وبناء الأمة الاستعمارية الجديدة والتجارة الحرة. وقال أوباما غاضبا ومهددا الرئيس المنتخب حديثا دونالد ترامب بأنه سيواجه العداء المشترك لجهاز الدولة كله، -وول ستريت ووسائل الإعلام- إذا ما استمر في الوفاء بوعوده الانتخابية للقومية الاقتصادية وبالتالي تقويض دور الولايات المتحدة – في النظام العالمي المركز.
كانت محاولة ترامب للتحول من عقوبات أوباما والمواجهة العسكرية إلى المصالحة الاقتصادية مع روسيا قد واجهت عش القنبلة من اتهامات حول مؤامرة ترامبية – روسية انتخابية.وكان طمس مؤامرة ترامب-الروسية الخطوة الأولى نحو حرب شاملة على الرئيس الجديد، لكنه نجح في تغيير نظام أوباما العالمي.
ترامب تحت أمر أوباما الدولي
وبعد ثمانية أشهر فقط من منصبه، قام الرئيس ترامب بإطلاق النار على كل واحد من المعينين المدنيين، وخاصة أولئك الذين كانوا ملتزمين بتنفيذ نظام أوباما الدولي.
انتخب ترامب لتكريس سياسة الصفقات الاقتصادية التي تعود بالفائدة على الطبقة العاملة والطبقة الوسطى الأمريكية بدل سياسة الحروب والعقوبات والتدخلات. ومن شأن ذلك أن يشمل سحب الجيش من التزاماته الطويلة الأجل ب “خرق” بناء الدولة (الاحتلال) في العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا وغيرها من مناطق الحرب التي لا نهاية لها التي حددها أوباما.
كان من المفترض أن تركز أولويات ترامب العسكرية على تعزيز الحدود المحلية والأسواق الخارجية. وبدأ بمطالبة شركائه في الناتو بدفع مسؤولياتهم الدفاعية العسكرية. واستطاع أوباما جمع الحزبين السياسيين واتحدوا لتجريد ترامب من حلفائه القوميين الاقتصاديين وبرامجهم.
ترامب استسلم بسرعة وانسجم مع النظام الدولي الذي نسجه أوباما، باستثناء شرط واحد – انه سيختار مجلس الوزراء لتنفيذ النظام الدولي القديم / الجديد.اختار ترامب هامسترونغ مجموعة عسكرية من الجنرالات، بقيادة الجنرال جيمس ماتيس (الملقب ب “مادوغ- الكلب المسعور”) كوزير للدفاع.وقد تولى الجنرالات رئاسة الدولة على نحو فعال، فترامب تنازل عن مسؤولياته كرئيس.
الجنرال ماتيس: عسكرة أميركا
تابع الجنرال ماتيس إرث أوباما للعسكرة العالمية، وأضاف فروقه الخاصة، بما في ذلك “الحرب النفسية” المتضمنة القذف العاطفي لترامب على “تويتر“.وتقوم “عقيدة ماتيس” على الجمع بين التهديدات عالية المخاطر مع الاستفزازات العدوانية، وبذلك تصل الولايات المتحدة (والعالم) إلى حافة الحرب النووية.
وقد اعتمد الجنرال ماتيس أهداف ومجالات العمليات، التي حددتها إدارة أوباما السابقة لأنها سعت إلى إعادة فرض النظام الدولي الإمبريالي القائم.
اعتمدت سياسات المجلس العسكري على الاستفزازات والتهديدات الموجهة ضد روسيا، مع فرض عقوبات اقتصادية موسعة. ألقى ماتيس المزيد من الوقود على الشعلة الهستيرية المضادة للروس في الولايات المتحدة. وقد شجع الجنرال استراتيجية الاستفزاز الدبلوماسي، بما في ذلك الاستيلاء غير المسبوق على المكاتب الدبلوماسية الروسية وغزوها وطرد الدبلوماسيين والموظفين القنصليين منها لفترة قصيرة.
هذه التهديدات العسكرية وأعمال التخويف الدبلوماسي تشير إلى أن إدارة الجنرال في عهد الرئيس الدمية ترامب توحي بالاستعداد لتخطي العلاقات الدبلوماسية مع القوى النووية العالمية الكبرى، ودفع العالم نحو المواجهة النووية.
ما يسعى إليه ماتيس في هذا العدوان المجنون ليس أقل من الاستسلام من جانب الحكومة الروسية فيما يتعلق بالأهداف العسكرية الأمريكية منذ فترة طويلة – أي تقسيم سوريا (التي بدأت تحت حكم أوباما)، وفرض عقوبات صارمة على كوريا الشمالية (التي بدأت تحت حكم كلينتون) ونزع سلاح ايران (والذي كان هدف تل ابيب الرئيسي) استعدادا لتقسيمها.
وقد عززت جماعة ماتيس العسكرية تهديداتها ضد كوريا الشمالية، وصورت وسائل الإعلام الأمريكية كوريا الشمالية باعتبارها تهديدا “وجوديا” للولايات المتحدة.وقد تصاعدت العقوبات ومن المقرر القيام بتدريبات عسكرية مشتركة ضخمة ومتواصلة في الجو والبحر والأرض حول كوريا الشمالية. يذكر ان سياسة ماتيس الملتوية بالاسلحة الصينية (وخاصة البيروقراطيين المرتبطين بالاعمال التجارية) حصلت على تصويت مجلس الامن الدولى حول زيادة العقوبات. وانضمت روسيا إلى جوقة ماتيس التي تقودها بياتشيانغ، حتى عندما حذر بوتين من عدم فعالية العقوبات! (كما لو كان الجنرال “ماد ماد” ماتيس من شأنه أن يأخذ نصيحة بوتين على محمل الجد، خصوصا بعد تصويت روسيا على العقوبات!).
كما دفع ماتيس نحو عسكرة الخليج الفارسي، بعد سياسة أوباما الجزئية واستفزازاتها ضد إيران.عندما عمل لصالح أوباما، رفع ماتيس شحنات الأسلحة الأمريكية إلى الإرهابيين السوريين والدمى الأوكرانيين، مما يضمن أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على خنق أي “تسويات تفاوضية”.
تصنيف العسكرة
من المفترض أن يلجأ ترامب إلى “جنرالاته” لمواجهة أي هجمات من أعضاء حزبه ومن ديمقراطيي الكونغرس حول سياسته الخارجية. وقد أدى تعيين ترامب “لمات دوغ ماتيس”، المعروف باسم “روسوفوب” و “وارمونجر” الشهير، إلى تهدئة المعارضة في الكونغرس وتقويض أي “مؤامرة انتخابية”. ترامب يحافظ على دوره الرمزي كرئيس من خلال التكيف مع ما حذر منه أوباما وهو “نظامهم الدولي” -الموجه الان من قبل المجلس العسكري-.
يضفي الجنرالات شيئا من الشرعية على نظام ترامب (خاصة امام ديمقراطيي أوباما ووسائل الإعلام). ومع ذلك، فإن تسليم السلطات الرئاسية إلى “مات دوغ” ماتيس سيأتي بثمنا باهظا.
وفي حين أن المجلس العسكري قد يحمي سياسته الخارجية، فإنه لا يقلل من الهجمات على جدول أعماله المحلي. وعلاوة على ذلك، فإن ميزانية ترامب المقترحة تثير غضب قادة حزبه.
وخلاصة القول، في ظل تواجد الرئيس الضعيف فإن عسكرة البيت الأبيض تعود بالفائدة على المجلس العسكري وتوسع قوته. وبرنامج ماتيس “الكلب المسعور مادوغ” حقق نتائج مختلطة، على الأقل في المرحلة الاولى: تهديدات المجلس العسكري لإطلاق الحرب (ربما النووية) الاستباقية، مناهضة التزام كوريا الشمالية بيونج يانج لتطوير وتحسين فعالية صواريخها بعيدة المدى والمتوسطة الباليستية والأسلحة النووية. فشل برينكسمانشيب في تخويف كوريا الشمالية. ماتيس لم يستطع فرض عقيدة كلينتون وبوش وأوباما في بعض البلدان (مثل ليبيا والعراق) .
اي هجوم اميركي ضد كوريا الشمالية سيؤدي الى ضربات انتقامية واسعة النطاق تكلف حياة ملايين المدنيين في كوريا الجنوبية واليابان.
على الأكثر، “ماتيس” نجح في تخويف المسؤولين الصينيين والروس للموافقة على فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد كوريا الشمالية. ماتيس وحلفاؤه في الأمم المتحدة والبيت الأبيض، وخصوصا المعتوهة نيكي هالي والرئيس ترامب، رفعوا الصوت عاليا لشن الحرب – ولكن “الخيار العسكري” لن يحصل دون تهديد القوة العسكرية الامريكية المتمركزة في كافة أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
هجوم ماتيس على السفارة الروسية يمكن أن يؤدي إلى انقطاع رسمي في العلاقات الدبلوماسية، مما يزيد من خطر المواجهة العسكرية والمحرقة النووية العالمية.
المجلس العسكري يضغط على الصين لمناهضة كوريا الشمالية بهدف عزل النظام الحاكم في بيونغ يانغ وزيادة الحصار العسكري الأميركي في بكين. ونشر منظومة صواريخ ثاد في كوريا الجنوبية التي ستوجه ضد بكين. هذه هي مكاسب ماتيس على المدى القصير على البيروقراطيين الصينيين. ومع ذلك، إذا زاد “الكلب المسعور” التهديدات العسكرية المباشرة ضد الصين، يمكن أن تنتقم بكين عن طريق إغراق عشرات التريليونات من سندات الخزانة الأميركية، وقطع العلاقات التجارية، وزرع الفوضى في الاقتصاد الأميركي وجر وول ستريت ضد وزارة الدفاع.
الجنون العسكري الاميركي خاصة في أفغانستان والشرق الأوسط، لن يخيف إيران ولن يضيف أي نجاح عسكري، وقد أدرك أوباما ذلك بعد عقد من هزائمه وخسارة عدة مليارات من الدولارات.
الاستنتاج: عسكرة السياسة الأميركية… إنشاء مجلس عسكري داخل إدارة ترامب… اللجوء إلى الطاقة النووية
على الصعيد الداخلي تعتمد ادارة ترامب على العسكريين، مثل الجنرال ماتيس. وقد شدد ماتيس سيطرة الولايات المتحدة على حلفاء الناتو، وحتى تقرب من المتطرفين الأوروبيين الضالين، مثل السويد، للانضمام إلى الحملة الصليبية ضد روسيا. وقد لعب ماتيس على شغف وسائل الإعلام لعناوين الصحف المحنكة.
ولكن بالرغم من ذلك – لا تزال كوريا الشمالية غير محجوبة فهي حاضرة لتنتقم. روسيا لديها عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة. وتمتلك الصين الخزانة الاميركية على الرغم من وجود قوات البحرية الامريكية التي تصطدم بقواتها بشكل متزايد فى بحر الصين الجنوبى.
“جنون ماتيس الكلب المسعور” لفت انتباه وسائل الاعلام، فمعظم الصحفيين لاحظوا كيف يوحي كل ما يعلنه عن تعطشه للدماء. استطاع ماتيس الحصول على المركز الرئاسي دون الفوز بأي انتخابات (وهمية أو غير ذلك).
عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية وفرت بعض الدروس الهامة:
أولا التصعيد لا يقود إلى نزع سلاح الخصوم الذين يمتلكون القدرة على الرد. ولا يمكن التخويف عن طريق النظام الضريبي.
ثانيا تؤدي مناورات الحرب المتعددة الأطراف إلى تعزيز التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة، ولكنها تقنع المعارضين أيضا بزيادة استعدادهم العسكري.
ثالثا يمكن للحروب المتوسطة المستوى ضد الخصوم غير النوويين ان تؤدي الى الاستيلاء على بعض المدن والعواصم كما هو الحال في العراق، ولكن المحتل يواجه حروبا مكلفة على المدى الطويل يمكن أن تقوض الأخلاق العسكرية، وان تثير الاضطرابات الداخلية وان تزيد العجز في الميزانية، وان تخلق الملايين من اللاجئين.
وخلاصة القول:
التهديدات وبعض الحملات اللفظية غير الديموقراطية يمكن أن تثير روح المواجهة لدى بعض الحلفاء، ولكن لديها فرصة ضئيلة لإقناع خصومها بالاستسلام. سياسة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم لم تؤد إلى أي مكاسب عسكرية دائمة.
الكونجرس الأمريكي ووسائل الإعلام الفاسدة غير قادرة على تقييم الكوارث السابقة، ناهيك عن إيجاد استجابة فعالة للحقائق العالمية الجديدة.
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد- ناديا حمدان
https://www.globalresearch.ca/selected-articles-the-politics-of-military-ascendancy/5609525