المشروع القومي والأسئلة الكبرى: عمران الزغبي
رأى البعض أن تصاعد المشروع اليميني الرجعي في المرحلة الماضية يعود إلى تراجع المشروع العروبي القومي اليساري وأفول نجمه وبدء انحساره .
فيما أمعن البعض بتحليل الأسباب وإسنادها إلى ضعف في حوامل المشروع القومي وتفكّك الأنظمة السياسية التي رفعت الشعارات القومية وتظلّلت بها.
فيما أسند القوميون بعضهم الأسباب إلى شراسة الحملة التي شنّت ضد اليسار العربي عموماً، والقوميون منهم خصوصاً، كمشروع وأنظمة ومؤسسات وأحزاب.
وأعتقد هنا أن للأمر علته التي تدور معه سلباً وإيجاباً، بمعنى أن هناك ما يمكن إسناده فعلاً إلى طبيعة الحملة التي تعرّض لها المشروع القومي وهناك ما يمكن إسناده إلى طبيعة المشروع بذاته وأدواته وشعاراته.
ويفتح ذلك باباً واسعاً للنقاش وطرح الأسئلة الكبرى حول إمكانيات استنهاض المشروع القومي ودوره في قيادة الأمة العربية وأهمية تأصيل وجوده المادي وقدرته على مواجهة التحديات الهائلة التي تتعرّض لها الأمة عموماً ومشروعها النهضوي تحديداً.
وتتعلق الأسئلة الكبرى بمفردات ذات بعد استراتيجي، وأخرى ذات بعد تكتيكي، وتشخيص مكامن الفشل، من دون مواربة وجدولة المهام والأولويات بوضوح ومن دون مهادنة، كي لا نزجّ النقاش في متاهات الترف الفكري أو العصبيات الوطنية أو العصاب التاريخي والسياسي.
ومن هذه الأسئلة مثلاً:
– هل كانت طبيعة المواجهة بين المشروع القومي والمشروع الرجعي كلية أو جزئية؟
– هل كانت المهادنة في هذه المواجهات خاضعة للبراغماتية السياسية فوقعت نتائجها الكارثية على حساب المبدئية العقائدية؟
– أين تكمن اللحظة السياسية التي شكلت بدء التحولات في ميزان المواجهة بين المشروعين؟
– ماهية صلة الصهيوني بالرجعي، وكيف استطاعت «إسرائيل» استثمار أهدافها في مضامين المشروع الرجعي؟
– هل أخطأ القوميون في التسديد على الحلف الصهيوني الرجعي، أم أنهم فقدوا السيطرة على التنسيق والتناغم، بسبب الظروف المحلية القطرية؟
– هل كانت العلاقة بين القومي والسياسي والحزبي علاقة هيكلية وتفاعلية أم أنها شكّلت تخارجاً بين القوى القومية والأحزاب واستهلكت من رصيد المشروع القومي؟
تشكل الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها جوهر أي نقاش لا بد من طرحه واسعاً وجدّياً وعميقاً، فمقتضيات المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة تفرض هذا النقاش، ولا بد من مخرجات له تعيد الاعتبار للهوية القومية والانتماء القومي وترتّب جدولاً للأولويات الثقافية والسياسية والاقتصادية وتضع خارطة طريق قومي يؤتي ثمار سلوكه وإتباعه بمنطق الواقعية السياسية، أي التعرف على الواقع وظروفه ليكون رفضه والانقلاب عليه ممكناً عبر كشف عيوبه وثغراته وإطلاق عمل قومي جمعي مؤطر لمواجهة الحالة السائدة.
فمَن هي إذاً المؤسسات التي ستدعو لهذا النقاش وأين؟
بالتأكيد ليست جامعة الدول العربية، فهي أحد أكبر العيوب في الحالة السائدة، وبالتأكيد ليست الأنظمة اليمينية الرجعية فهي عورة الحال هذه.
إن الأحزاب والتيارات القومية مدعوّة باعتقادي لإطلاق حلقات حوار ديمقراطي بنُاء مفتوح وعلني، لعلنا ولعلها تعيد الألق للمشروع القومي وتستنهضه، فهو خير للعروبة، وهو مجدها وطريقها الوحيد.
(البناء)