الجيش العربي السوري
غالب قنديل
قدم المشهد السوري مفاجآت متلاحقة في تطوراته العسكرية تعاكس الصورة التي كرسها الإعلام الغربي والخليجي وروجها ومنذ بداية العدوان على سورية وقد تهاوت تباعا جميع الروايات المزعومة عن ضعف الجيش العربي السوري وتراجع قوته.
اكدت التجربة العملية قاعدة اكدها الرئيس بشار الأسد في أسوأ الظروف ان “لدى الجيش العربي السوري القدرة على تحرير أي منطقة يقرر استعادتها” وكانت المعضلة الفعلية عندما كان هذا الجيش يقاتل وحيدا هي كثافة الحشود المقابلة وتعدد المحاور القتالية التي بلغ تعدادها بالمئات مما اقتضى انتشارا قياسيا تنوء بأعبائه أضخم الجيوش ناهيك عن النزف المتواصل الذي ترتبه.
بعد استرجاع حلب وتحريرها والتقدم المذهل إلى الحدود العراقية وتحرير معظم الحدود الأردنية واستعادة جميع الحدود اللبنانية كاملة وتحرير مساحات ضخمة من البادية السورية وفك الحصار عن دير الزور ترتسم صورة جديدة للجيش العربي السوري ولفيالق القتال والهجوم التي أعدت وتم تشكيلها وتدريبها خلال الحرب التي خاضها الجيش على امتداد التراب الوطني.
هذا الجيش الذي شهدناه يقاتل ويحقق الإنجازات يثبت بالوقائع تمرسه بجميع أساليب العمل القتالي وفي جميع الظروف المناخية وفي سائر المناطق الوعرة والصعبة من الجرود والجبال إلى الصحاري إلى احياء المدن المتعرجة المحصنة وهو يحقق تكاملا في القتال إلى جانب وحدات حليفة من حزب الله ومن الحرس الثوي الإيراني والوحدات الشعبية الرديفة السورية والعراقية والقوات الروسية في أرقى عملية تكامل قيادية وميدانية تشمل أسلحة البر والبحر والجو وتنسيق النيران وحركة المقاتلين.
سنوات من معمودية النيران اخرجت قوة عسكرية عملاقة سيهابها أعداؤها اسمها الجيش العربي السوري ترسخت عقيدتها القتالية الوطنية والقومية وهي تحظى بالتفاف شعبي حار وكبير في سورية يدفع مؤخرا بآلاف السوريين في دفق لا يتوقف من المواطنين الشباب المقبلين على الخدمة العسكرية والأهم على التطوع الاحترافي في جيش الوطن او حماة الديار التسمية التي يعتز بها العسكريون وعائلاتهم.
يروي مواطنون سوريون خلال الأشهر القليلة الماضية ان مراكز التطوع ومراكز الالتحاق والتجنيد فاضت بالحشود وتؤكد المعلومات الموثوقة ان الجيش العربي السوري استعاد قدراته القتالية البشرية وملاكاته الفعلية ولا وجود لأي نقص في الطاقة البشرية المقاتلة منذ فترة غير قصيرة.
يشير الخبراء إلى النزيف الهائل الذي لحق بالجيش العربي السوري في القتال على مئات المحاور دفعة واحدة وبعدما ظل لأكثر من سنة ونصف يقاتل وحيدا قبل ان يقرر حلفاء سورية الصادقون المشاركة في القتال وحيث تحفظ القيادة السورية السبق الطليعي لحزب الله ولأمينه العام السيد حسن نصرالله الذي كان من بين جميع الشركاء والحلفاء اول من بلور فهما موضوعيا وتشخيصا علميا لطبيعة الخطة الاستعمارية التي استهدفت سورية ومحور المقاومة وهو ما نقل عن نصرالله مؤخرا انه كان موضع تداول مبكر مع الإمام السيد علي الخامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية وبعد حزب الله وإيران كان القرار الروسي الشجاع الذي صنع بعد أربع سنوات من العدوان تغييرا مهما في البيئة الاستراتيجية وتوازناتها.
استطاع هذا الجيش ان يحتفظ بتماسكه رغم كل ما تعرض له من حملات ومعارك سياسية وعسكرية ومؤامرات واغتيالات وتهاوت سريعا مهزلة الانشقاقات الصورية التي تكشفت عن مشاهد تلفزيونية مفبركة لأفراد تم شراؤهم من حكومات قطر او السعودية او تركيا واحيانا بتسهيلات غربية مخابراتية اميركية او فرنسية او بريطانية.
خسر الجيش العربي السوري الكثير من قوته البشرية في المراحل الأولى وكان في طليعة الشهداء قادة وضباط وكوادر مقاتلون كانوا المبادرين والشجعان في مواقعهم وكان قدر هذا الجيش ان يصمد في البداية وحيدا ويقاوم غزوة استعمارية قادتها الولايات المتحدة وحشدت لها فيالق تعد عشرات الآلاف من الإرهابيين متعددي الجنسيات وعشرات الحكومات الغربية والإقليمية التابعة وبإمكانات مالية وإعلامية وتسليحية ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ حروب الوكالة وبينما سعت إدارة اوباما لتعميم كذبة الثورة السورية كان مدير مخابراتها ديفيد بيترايوس يقود شخصيا غرف العمليات في اسطنبول وعمان بينما تولت هيلاري كلينتون إدارة الواجهات السياسية العميلة من تركيا وقطر والسعودية وباريس ولندن وفرانكفورت وجمعت خلفها جوقة من عشرات وزراء الخارجية في العالم تخطى عديدها المئة في ذروة العدوان.
“إنه جيش جديد لا نعرفه” هكذا يقول الخبراء الصهاينة مؤخرا في توقعاتهم الخاصة بأي حرب مقبلة مع سورية بينما يفاخر السوريون حين يتحدثون عن إنجازات الجيش العربي السوري الذي حطم الخرافات والأكاذيب وانبثق من جديد كالأسطورة بجهود ضباطه وجنوده الذين يعتز مواطنوهم بصورهم في ميادين القتال على الجبال وفي الصحراء وداخل الاحياء المدمرة وهم يرفعون رايات النصر ويرددون الأهازيج والهتافات ويحطمون الخطوط الحمراء الأميركية بإرادة وطنية صلبة وهي إرادة يؤكد جميع الضباط القادة انها استمدت من عزيمة القائد الأعلى الرئيس بشار الأسد الثابتة في اخطر الظروف واللحظات الحرجة التي اجتازتها ملحمة الدفاع عن سورية واستقلالها.