خطوط حمر أم أولويات
حميدي العبدالله
منذ مشاركة القوات الجوفضائية الروسية بمكافحة الإرهاب في إطار عملية تنسيق جرى التخطيط مسبقاً لها من قبل سورية والعراق وإيران وروسيا وتمّ تجسيدها في مكتب التنسيق المشترك في بغداد، كان واضحاً أنّ الهدف الرئيسي للحرب في سورية هو القضاء، على الإرهاب، واستعادة سيادة الدولة السورية على كامل الأراضي السورية التي دخل إليها الإرهابيون
.
لكن كان واضحاً أيضاً أنّ الدول الأربع تخوض المعركة بناءً على استراتيجية محدّدة تزاوج بين العمل السياسي والعمل العسكري، ولا تراهن على مسار دون الآخر، بل تعتقد أنّ كلّ مسار يدعم المسار الثاني، العمل السياسي يعزّز العمل العسكري للوصول إلى الهدف، والعكس صحيح أيضاً.
لهذا كانت جميع اتفاقات وقف إطلاق النار بدءاً من 28 شباط عام 2016، مروراً باتفاق 9 أيلول 2016 مع الأميركيين، وجولات أستانة ومناطق خفض التصعيد خدمة لهذا الهدف. أيّ أنّ اتفاقات وقف إطلاق النار كانت تسعى إلى توفير ظروف تساعد القوات المسلحة السورية وحلفاءها للتوجه نحو تحرير المناطق التي تعتقد أنّ لها الأولوية. والتوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق النار لم تتمّ إلا بعد تحرير ريف اللاذقية ومحاصرة المسلحين في مناطق واسعة من محافظة حلب وتغيير الوضعية الميدانية في حلب لمصلحة الجيش السوري، حيث لاحت في الأفق بعد هذه التطورات الميدانية أولوية التوجه نحو الشرق، بداية من تدمر، ولهذا كان اتفاق وقف إطلاق النار في 28 شباط 2016 الذي قاد إلى تحرير مدينة تدمر، قبل أن يعود داعش إلى مهاجمتها واحتلالها بعد الانقلاب الأميركي على اتفاق 28 شباط، حيث اضطر الجيش السوري وحلفاؤه إلى إعطاء الأولوية، لتحرير مدينة حلب بالكامل.
عندما تمّ التوصل إلى اتفاق 28 شباط بين روسيا والولايات المتحدة تحدث كثيرون عن خطوط حمر، من ضمنها عدم اقتحام الجيش السوري مدينة حلب استناداً إلى تفاهمات 28 شباط عام 2016 ليتبيّن لاحقاً عدم صحة هذا التقدير، وأنّ المسألة تتعلق بالأولويات وليس بخطوط حمر مزعومة.
اليوم ما يجري في محافظة دير الزور إعادة بعث الحديث عن الخطوط الحمر، تماماً مثلما تحدّث البعض عن أنّ الوصول إلى الحدود العراقية من قبل الجيش السوري وحلفائه تعترضه خطوط حمر مرسومة باتفاق روسي أميركي ليتبيّن لاحقاً عدم صحة كلّ ذلك.
ما يجري هو تحديد أولويات وليس خطوط حمر، وكلّ منطقة في سورية ستجري استعادتها إلى كنف الدولة السورية، ولكن بالتوقيت والأولوية التي تحدّدها سورية وحلفاؤها.
(البناء)