العصر الحجري وخط 4 حزيران 1967: شارل أيوب
وجّه نائب رئيس اركان الجيش الإسرائيلي سابقاً ووزير البناء الحالي غالن تهديدات جديدة الى لبنان بعد انهاء تدريبات الجيش الإسرائيلي الكبيرة على الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان. وقال ان أي حرب قادمة بين إسرائيل ولبنان ستجعل إسرائيل تقوم بتحويل لبنان واعادته الى العصر الحجري .
واذا كان في القاموس العربي كلمة مستحيل، فانه في القاموس التاريخي كلمة ان لا شيء مستحيل. وهنا نقول ان تحويل لبنان الى العصر الحجري، كما قال وزير نقل العدو الإسرائيلي، يعني العودة الى خط 4 حزيران 1967. وقد لا يصدّق البعض هذا الطرح، لكننا نقول ان الحرب في سوريا ستنتهي، وتعود سوريا الى وحدتها وسيادتها، ويعود الجيش العربي السوري الى قوته وإعادة تنظيمه وبنائه، إضافة الى قوة حزب الله التي تمرّست بقتال في كل الأراضي السورية وهزمت التكفيريين والمنظمات الإرهابية، وجعلت مع الجيش العربي السوري مساحة داعش وجبهة النصرة وكل القوى الإرهابية تتقلّص من 71 في المئة الى 12 في المئة حالياً.
لم تعلّق الدول الكبرى على تصريح الوزير الإسرائيلي، بأن إسرائيل ستعيد لبنان الى العصر الحجري، لكن إسرائيل تعرف تماما انه في فترة تاريخية وجيزة نسبة الى مسار التاريخ، ان قوة انطلقت سنة 1982 من أبواب الجنوب واستطاعت خلال 18 سنة تحرير الجنوب اللبناني من العدو الإسرائيلي وجيش لحد، وألحقت به الهزيمة حتى اضطر رئيس وزراء إسرائيل يهود باراك سنة 2000، الى اعلان الانسحاب من الجنوب اللبناني الى الخط الأزرق، معترفاً بالهزيمة.
وبعد فترة حصلت حرب 2006، واعتبرت إسرائيل انها بسهولة ستجتاح الجنوب حتى مجرى الليطاني، وان قواتها البرية وسلاحها الجوي قادر على الحاق الهزيمة بقوة حزب الله، لكن النتيجة كانت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت ووزير الدفاع بيريز، وهيئة الأركان للجيش الإسرائيلي لم يقدّروا قوة حزب الله، فجرى ردع الجيش الإسرائيلي وتم منعه من الاجتياح البري. إضافة الى الحاق خسائر كبرى بسلاح المدرعات الإسرائيلي تجلّت في تدمير دبابات الميركافا الإسرائيلية، وردع لواء غولاني وقوى النخبة في الجيش الإسرائيلي، من مارون الراس حتى بلدة الخيام، وقتل 120 جندياً إسرائيلياً، وهو عدد كبير بالنسبة للخسائر الإسرائيلية البشرية، لم يحصل مثلها حتى بينها وبين الجيوش العربية النظامية، إضافة الى اسقاط طوافات إسرائيلية وضرب بارجة بحرية إسرائيلية كادت ان تغرق مع تعطيلها كلياً قبالة الشاطئ اللبناني.
من كان يصدّق أنه منذ عام 1982 حتى عام 2006 سيتحوّل حزب الله والمقاومة اللبنانية الى قوة بهذا الحجم لم تبلغه جيوش عربية الا الجيش العربي السوري في حرب عام 1973 عندما استرجع قسماً كبيراً من الجولان، وتدخلت الولايات المتحدة لتسليح إسرائيل بأحدث الأسلحة لردّ الجيش السوري. كذلك نشير الى قوة الجيش المصري الذي اجتاز خط بارليف ودمره واستطاع عبور قناة السويس وإلحاق خسائر بالجيش الإسرائيلي.
لكن قوة حزب ومقاومة لبنانية لم يكن احد يتصور انها ستصل الى الحصول على 100 الف صاروخ، إضافة الى قوى برية مقاتلة من الدرجة الأولى، إضافة الى تجهيزها بصواريخ مضادة للمدرعات والدبابات من طراز حديث، واضافة الى ايمان كبير بالقتال ضد العدو الإسرائيلي ومنعه من الانكسار والاستشهاد في سبيل هذا الهدف السامي والكبير.
اليوم تقف إسرائيل عاجزة عن اجتياح الجنوب ميدانيا، وهي تعرف ان خسائر كبيرة ستلحق بالجيش الإسرائيلي على مستوى القتال البري، وتعرف أيضا ان مدرعاتها معرّضة خلف كل تلة وعلى أبواب الانفاق وخلف الصخور لضرب المدرعات بالصواريخ الحديثة، وانتقال المجموعات الصغيرة بالقتال من نقطة الى نقطة بسهولة، في وجه جيش يتحرك بحجم كبير وليس عنده قدرة المناورة في القتال ضد مجموعات قتالية صغيرة تابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني وعلى مدى الحدود على الخط الأزرق.
لذلك جاء تصريح وزير النقل الإسرائيلي بأن إسرائيل ستعيد لبنان الى العصر الحجري. ويعني ذلك ان إسرائيل ستستعمل سلاحها الجوي، ولبنان لا يملك صواريخ ارض – جو تمنع الطيران الإسرائيلي من تدمير البنية التحتية فيه من مصالح المياه والكهرباء والجسور والطرقات والمستشفيات ومرفأ بيروت ومطار بيروت، وكل نقطة حيوية في لبنان مستعملة سلاحها الجوي بأقصى طاقة، كي تدمّر البنية التحتية والدولة اللبنانية ليعود لبنان الى العصر الحجري.
وهنا نقول ان ذلك ممكن ان تقوم به إسرائيل على مستوى سلاح الجو، لكن فرق كبير بين قول إسرائيل انها ستعيد لبنان الى العصر الحجري وبين تصريح قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله ان المقاومة ستستعمل صواريخها لتضرب المراكز الإسرائيلية مثل مفاعل ديمونه ومرفأ حيفا وقواعد إسرائيل ومدن إسرائيلية لضعضعة وضع الجيش الإسرائيلي، ولا يقول قائد المقاومة انه سيستعمل الصواريخ لقتل المدنيين الإسرائيليين، وللتدمير العشوائي والانتقام كما تهدد إسرائيل.
فرق كبير بين كلام العدو الإسرائيلي وبين الخطاب السياسي والعسكري لسماحة السيد حسن نصر الله. واذا قامت إسرائيل بتدمير البنية التحتية في لبنان، فيعني ذلك الفوضى في لبنان وإعطاء ذريعة للذين يقفون ضد سلاح المقاومة كي يتحركوا ضد حزب الله ويقومون بتحميله مسؤولية التدمير. واذا حصلت الفوضى، فان الدولة اللبنانية هي الخاسرة الأولى، لكن المقاومة لن تخسر، والشعب اللبناني، ولو انقسم حول سلاح المقاومة لن يجد في العملية الإسرائيلية من تدمير الا عدوانا وحشيا سيجعل الشعب اللبناني يتحوّل الى فييتنام الشمالية مرة أخرى. وان حزب الله الذي استطاع الانتشار في سوريا والقتال على مدى مساحة سوريا كلها، ووصل بالقتال الى العراق والى اليمن وقام بدعم حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، سيتحوّل الى قوة ضاربة حيث لن تنحصر الحرب في لبنان والفوضى في لبنان، بل ستنتقل الجبهة أيضا الى هضبة الجولان، وان ما طرحه الرئيس الراحل حافظ الأسد من العودة الى خط 4 حزيران دون التطبيع مع إسرائيل ستتم العودة اليه ولو اعتبر البعض ان ذلك مستحيل لكن لا شيء مستحيل. فمن كان يصدّق ان الجيش الإسرائيلي سيهزمه حزب مقاوم سنة 2006 وسنة 2000، ومن كان يصدّق ان حزب الله مع الجيش العربي السوري سيدمّر الحركات الإرهابية والتكفيرية في سوريا ويقلب المعادلة من مؤامرة أميركية – إسرائيلية – عربية، لقطع خط الامدادات عن حزب الله وضرب سوريا وجعلها دولة ضعيفة جداً والجيش العربي السوري يلفّه الشلل والانقسام والانحلال الى حد الخسارة امام القوى التكفيرية.
وها نحن اليوم امام انتصار الجيش العربي السوري وانتصار حزب الله. وسيأتي يوم ليس ببعيد تعود سوريا الى وحدتها وقوتها ويعود الجيش العربي السوري وحزب الله منتصرين في سوريا ضد القوى والمؤامرة التي حصلت.
ان الفوضى في لبنان عبر اعادته الى العصر الحجري ستهدد أمن أوروبا وستهدد الشرق الأوسط كله، وستتغير معادلات القوى الإقليمية من ايران الى تركيا الى الخليج الى العراق وسوريا ولبنان. وسينتشر حزب الله مع الجيش السوري في هضبة الجولان غير المحتل، وستقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف هذه القوى، لكن الانفاق والحفريات التي سيجريها حزب الله والجيش السوري في الهضبة ستصمد امام ضربات الجيش الإسرائيلي، ولن تكون المعركة محصورة بالانسحاب الى الخط الأزرق، بل ستكون على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة وفي هضبة الجولان. وستعود أوروبا وأميركا وروسيا الى إعادة البحث في السلام او في تسوية في الشرق الأوسط، ولن تتراجع سوريا ولا حزب الله عن العودة الى خط 4 حزيران 1067، لانه لا حل في الشرق الأوسط الا بانسحاب إسرائيل الى خط 4 حزيران، ولو طال الزمان. ونحن لا نتحدث عن سنة وسنتين، بل نتحدث عن 10 سنوات و 20 سنة، كما مرّت السنوات منذ عام 1982، وحتى حرب 2006، وحتى عام 2017، الذي حقق فيه الجيش العربي السوري وحزب الله انتصارات بطولية على مساحة سوريا ضد مؤامرة دعمتها قوى خليجية وتركية وأميركا وإسرائيل وقوى أخرى.
ان أوروبا التي سكتت، لا بل دعمت القوى الإرهابية في سوريا، تدفع الثمن الان عبر العمليات الإرهابية في كل أوروبا وحتى في اميركا. وان دولاً أوروبية وأميركا ستجد الشرق الأوسط مشتعلا كله، اذا قامت إسرائيل بتدمير لبنان وبنيته التحتية والحيوية، وستجد نفسها مضطرة للتدخل من اجل امن الشرق الأوسط الذي سيصـل الى تهديد امن أوروبا والمنطقة.
ان إسرائيل عبر قولها انها ستعيد لبنان الى العصر الحجري، تعترف علناً انها لا تستطيع الانتصار على المقاومة بل تستطيع استعمال سلاحها الجوي للتدمير. وهنا نقطة ضعف إسرائيل، وهنا نقطة قوة المقاومة.
(الديار)