تقارير ووثائق

رؤيا 2030 والهيمنة الأميركية د. عبد الحي زلوم

في سنة 1940 بدا نشاط الشركة الكليفورنية العربية للبترول بالتقلص نتيجة الحرب العالمية الثانية وكانت سنة 1940بالنسبة الى اقتصاديات ابن سعود سيئة نتيجة الى هبوط عدد الحجاج بارقام غير مسبوقة مع أن موسم الحج كان من الموارد الرئيسية لميزانية الدولة .

للخروج من أزمته طلب ابن سعود المساعدة من الحكومة البريطانية ومن شركة النفط الكليفورنية بأن تدفع له مقدماً من عائدات النفط وفي تلك السنة كانت الحكومة البريطانية قد قدمت مساعدة بمقدار 100000 جنيه استرليني لحكومة ابن سعود.

مقابل ذلك كانت الشركة قد دفعت 2.9 مليون دولار دفعة مقدمة للسعودية بالاضافة الى 1.7 مليون دولار دفعتها الشركة في السنة السابقة . اصبحت مطالبات ابن سعود المتكررة للمساعدة المالية بالاضافة الى خوف الشركة من محاولة الانجليز اختطاف امتياز النفط منها بالاضافة الى ظلال الحرب العالمية الثانية كل هذه الاسباب جعلت الشركة في موقف حرج .  طار رئيس الشركة الامريكية الى السعودية واجتمع مع الحكومة وابلغهم ان الشركة ستتدفع 3 مليون دولار دفعة مقدمة بدايةً يتبعها 3 مليون دولار اخرى لاحقاً بنفس السنة.  اخبره وزير المالية السعودي أنه سيضع هذه الستة ملايين دولار في ميزانيته سنة 1941. ونجح رئيس الشركة في اقناع الدولة بتمديد الامتياز سنتين في الوقت الذي تتوقف فيه الشركة عن اعمالها اثناء الحرب . لكن الشركة في حقيقة الامر لم تكن راغبةً في دفع لا أول ولا ثاني 3 مليون دولار لخوفها من الاسباب الثلاثة المذكورة اعلاه . لذلك بدأت الشركة بإتصالاتها مع الحكومة الامريكية بأن تقوم الحكومة بمساعدة السعودية تحت برنامج الاقراض والاستئجار (Lend – lease) . لكن الرئيس روزفيليت في اكتوبر 1941  وجد أن شروط ذلك البرنامج لا تنطبق على العربية السعودية ولكنه طلب من السفير البريطاني في واشنطن أن تقوم بريطانيا بعملية الاقراض ويتم الدفع بطريقة غير مباشرةً من واشنطن . استغلت بريطانيا كونها من تقدم المساعدات لابن سعود حتى ولو أنها كانت امريكية المصدر وزاد ذلك من نفوذها على حساب نفوذ الولايات المتحدة . عبر رئيس الشركة الكاليفورنية ديفيس في شهادة له أمام اعضاء لجنة الدفاع كالاتي “كنا نشعر طول الوقت أن المساعدات المالية التي تقدمها بريطانيا ومصدرها الولايات المتحدة لكنها  تزيد من نفوذ بريطانيا لدى السعودية على حسابنا ونحن كشركة دائماً كنا نعتقد أن الولايات المتحدة كان يجب ان تستعمل تلك المساعدات لزيادة نفوذ الولايات المتحدة” . أدخلت الشركة الكاليفورنية شركة تكسكو شريكاً لها في امتيازها في العربية السعودية وغيرت اسم الشركة ليصبح ارامكو أي شركة الزيت العربية الامريكية.  وأعلن رئيسا الشركتين عن خوفهما من سرقة بريطانيا لامتيازهما لنفط السعودية خصوصاً عندما علما بنية بريطانيا فتح بنك في جدة يصدر اوراق النقد السعودية مما يعني تبعيتها الى منطقة الاسترليني وصعوبة عمل ارامكو بالدولار وكشركة امريكية .

في شهر يناير 1943  قررت الشركة أن تجدد سعيها لاقناع حكومة الولايات المتحدة بالمساعدة المباشرة للسعودية عن طريق برنامجlend lease وقد وجدوا في وزير الداخلية هارولد ايكس مسانداً خصوصاً كونه مدير شؤون النفط للحرب . رئيس شركة سوكال الشريك الاول في امتياز النفط السعودي Harry D. Collier و S. S. Rogers  رئيس شركة تكسكو الشريك الجديد في ارامكو

قابلا ايكس وأخبراه للمرة الاولى بأنهما يعتقدان أن مخزون النفط في السعودية هو الاكبر في العالم وأن شركاتهما في خطر خسارة ذلك المصدر الهام الى بريطانيا خصوصاً وأن شركاتهما لاحظتا ارسال بريطانيا الى السعودية  بعثةً كبيرة ومعها حماية امنية كبيرة بحجة مكافحة الجراد ولكنها كانت تحتوي على العديد من الجيولوجيين الانجليز . وتمّ اقناع ايكس بأن عملاً مستعجلاً قد اصبح ضروريا لصد خطر خسارة امتياز السعودية للانجليز .  وطلب منهم ايكس ان يقدموا له دراسة مستعجلة من النقاط الهامة ليبحثها مع الرئيس روزفيليت.  قام روجرس بتقديم المعلومات المطلوبة لايكس مطالباً بشمل السعودية ضمن برنامج    lend lease لمجابهةالنفوذ البريطاني.

اقتنع ايكس بضرورة تقديم مساعدة للسعودية ضمن برنامج (Lend – lease) وقابل وزراء البحرية والحربية والخارجية وكبار المعنيين وأبدى وجهة نظره بضرورة مساعدة السعودية مباشرةً وأبدى قناعته بسعي بريطانيا لامتلاك امتياز النفط في السعودية خاصةً وان الحكومة البريطانية كانت تمتلك احتياطات نفطية كما في ايران مثلاً . واجتمع ايكس مع الرئيس روزفيليت بتاريخ 16/2/1943 وفي 18/2/1943 ارسل الرئيس روزفيليت الى مدير برنامج (Lend – lease): “… لمساعدتك في اقرار شمل المملكة العربية السعودية ضمن برنامج (Lend – lease) فانا اقرر هنا بأن الدفاع عن المملكة العربية السعودية هو من ضروريات الدفاع عن أمن الولايات المتحدة الامريكية . ” وهكذا نجحت شركات النفط بجعل الولايات المتحدة تتحمل مساعدة ابن سعود بدلاً منها .

ومن هنا بدأت وجهات النظر بين الحكومة الامريكية وشركات النفط تذهبان الى طريقين مختلفين . فبحلول حزيران 1943 اصبح لدى ايكس قناعة بضرورة ان تستملك حكومة الولايات المتحدة مخزون النفط السعودي كما كانت تتملك بريطانيا احتياطي نفط ايران عبر شركة حكومية يتم تأسيسها لهذا الغرض ، على أن يتمّ ابرام اتفاقية ما بين الحكومة الامريكية وشركة ارامكو لتقوم ارامكو كمشغل لمنشآت  الشركة الحكومية الامريكية التي ستتملك احتياطات النفط السعودية. وبعد اجتماعات للإدارة الامريكية المتكررة وأخذ موافقة المعنيين تمّ اشهار شركة الاحتياطات النفطية Petroleum Reserves Corporation  في 30/6/1943 لاستملاك احتياطات النفط السعودي . تمّ تعيين هارولد ايكس رئيساً للشركة كما تمّ تعيين وزراء الخارجية والحربية ورئيس الاركان المشتركة اعضاء في مجلس ادارتها . وتمّ تعيين Abe Fortas سكرتيراً للشركة ( وهو يهودي).

رفضت ادارة الشركات المالكة لارامكو فكرة بيع 100% من اسهمها للشركة الحكومية وقبلت في البداية بيع جزء من تلك الحصة . وبينما اصبحت نهاية الحرب الثانية في الافق اعلنت تلك الشركات رفضها لعملية البيع واستعملت اللوبي القوي التابع لها في الكونغرس الامريكي مدعيةً ان الشركات ستكون أداةً لتنفيذ البرامج اللازمة للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية وأن تأميم الشركات كما هو مقترح يتنافى مع التقاليد الامريكية . وكالعادة كانت الشركات ولوبياتها اقوى من الحكومة التي هي لخدمتها وليس العكس.

كان اول اجتماع يعقده الرئيس روزفيليت (بعد مؤتمر يالطا والذي تم تقسيم مناطق النفوذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء المنتصرين ) مع الملك عبد العزيز آل سعود على ظهر الباخرة كوينسي : Quincy في 14فبراير 1945 وبمقتضاه تم الاتفاق بمقايضة سياسة النفط السعودية سواء من التحكم في كمية الانتاج وما ينتج عن ذلك من تحكم بالاسعار وبالاضافة الى التحكم  بالعوائد النفطية لتتماشى مع المصالح الامريكية مقابل حماية الولايات المتحدة للنظام السعودي القائم .

نسأل هنا:

هل قيادة السعودية لاغراق الأسواق وهبوط أسعار النفط لاكثر من النصف وتدمير الذات كان قراراً سيادياً أم أمريكياً؟ ونسأل أيضاً هل من يستثمر 460 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي مجدداً اضافة الى مئات الملايين الاخرى كأوراق خزانة لسداد ديون الولايات المتحدة بحاجة إلى 75 مليار دولار ليبيع جزء من جوهرة اقتصاده أرامكو؟

ونسأل هل كان خصخصة أرامكو قراراً سيادياً أم أمريكياً؟  أم أنه نتيجة توصيات قتلة اقتصاديين ضمن فريق  دراسة خطة بن سلمان 2030  ؟ ونتسآل هل خصخصة أرامكو كان الطبعة الجديدة موديل 2016 لاستيلاء الولايات المتحدة على   إحتياط نفط السعودية  بدل خطة 1943 المبينة اعلاه؟

وأسأل أيضاً اذا نتج عن قرار اغراق الاسواق وهبوط الاسعار الى عجوزات بميزانية السعودية وخفض اسعار الماء والكهرباء ومحروقات الاخرى على المواطن الامريكي نتيجة ذلك يقابله عجوزات ميزانية السعودية رفع اسعار المحروقات بما فيها البنزين وكذلك زيادة اسعار الماء والتقشف التي شملت المواطن السعودي فهل كان اغراق الاسواق مصلحةً امريكية ام سعودية ؟

لانجاح خطة بن سليمان 2030 أو اي خطة تنموية نحتاج الى 5Ms . الــM الاولى هي الادارة (Management) والــM الثانية وهي المال (Money) والادارة الجيدة تستطيع أن تحصل عليها حتى من الاسواق العالمية المتعطشة الى الاستثمار بالمشاريع الجيدة والادارة السيئة كما نرى في عالمنا العربي تهدر الاموار وتبددها . والــM الثالثة الماكينات والالات (Machinery ) وهذه اسهل النقاط . أما الــالرابعة فهي الاسواق(Markets ) وامرها سهل نسبياً أما الــM الخامسة فهي القوى العاملة المدربة الكفؤة وهذه هي التي تكون عماد اي خطة .

فهل يا ترى تتوفر العناصر الخمسة لنجاح تلك الخطة في الوقت الذي تقوم به الدولة بطريقة غير منهجية ولا مدروسة لمحاولة خلق بيئة طاردة للكفاءات قبل تحضير وتدريب وتأهيل بدائلها ؟

  مستشار ومؤلف وباحث

عن رأي اليوم 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى