مقالات مختارة

مشروع موازنة 2017 «إلى مجلس النواب درْ»: محمد وهبة

 

أنهت لجنة المال والموازنة دراسة مشروع موازنة 2017 ووضعت تقريرها الذي يتضمن خفضاً للنفقات بقيمة 1005 مليارات ليرة، بعدما اقتطعت هذه المبالغ من «احتياط الموازنة» و«العطاءات والمساهمات للجمعيات والقطاع الخاص». هكذا بات الطريق مفتوحاً لإحالة الموازنة على الهيئة العامة لمجلس النواب ومناقشتها وإقرارها، إلا أن نشرها في الجريدة الرسمية لتصبح نافذة دونه عقبة أساسية وهي: إقرار الحسابات المالية للسنوات السابقة

!

في مطلع الاسبوع المقبل، ستحيل لجنة المال والموازنة تقريرها النهائي بشأن مشروع موازنة 2017 إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، تمهيداً لعرضه على الهيئة العامة للمجلس ومناقشته وإقراره. وصول مشروع موازنة 2017 إلى هذه المرحلة يضع تعهدات السلطة السياسية ونيّاتها أمام اختبار إعادة الانتظام لمالية الدولة بعد مخالفة متمادية للدستور والامتناع عن إعداد وإقرار موازنات منذ 12 عاماً.

وهذا الإقرار، إذا حصل قريباً، لن يكون دستورياً، بل هو يأتي متأخراً أكثر من تسعة أشهر عن الموعد الدستوري الذي يفرض بدء مناقشة مشروع الموازنة في تشرين الأول 2016 وإقرارها قبل نهاية 2016، علماً بأن قانون الموازنة لا يصبح نافذاً إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية، فيما النشر يستوجب إقرار مجلس النواب للحسابات المالية للسنوات السابقة التي «لا بوادر ولا إشارات على إنجازها قريباً»، وفق رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان.

خفض وإعادة توزيع

إذاً، أنهت لجنة المال درس مشروع موازنة 2017 بعد 4 أشهر من الدرس، فكيف خرج منها؟ يقول رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان، إن اللجنة توصّلت إلى خفض قيمة الاعتمادات المرصودة بقيمة 1005 مليارات ليرة. فقد اقتطعت اللجنة من بندَي «العطاءات للجمعيات» و«المساهمات لغير القطاع العام» مبلغ 400 مليار ليرة من أصل 600 مليار ليرة كانت مرصودة في المشروع، ثم عمدت إلى دراسة بند «احتياط الموازنة» الذي كانت تزيد قيمته على 1300 مليار ليرة. تبيّن للجنة أن هذا الاحتياط كبير جداً، وأن المبالغ المنفقة إلى اليوم تبلغ 400 مليار ليرة، وأن لا حاجة لاستعمال المبلغ كلّه، فاتخذ قرار بأن يخفض الاحتياط بقيمة 605 مليارات ليرة. أما الوفر الذي «حققناه من موازنة وزارة الاتصالات بقيمة 151.5 مليار ليرة، فقد حوّل القسم الأكبر منه لتغذية بنود «التغذية»، «الطبابة»، «التقديمات المدرسية» العائدة للجيش ولقوى الأمن الداخلي، إذ حصل الجيش على 66 مليار ليرة وباقي القوى الأمنية على 54 مليار ليرة، وقد اتفقنا على زيادة المساهمة للصليب الأحمر بقيمة 10 مليارات ليرة»، يقول كنعان.

وبنتيجة ذلك، انخفض العجز في الموازنة من 7289 مليار ليرة إلى 6284 مليار ليرة، «لكن يمكن أن نقوم بأفضل من ذلك إذا عملنا على عصر النفقات أكثر». ويضيف رئيس لجنة المال والموازنة أن «لبنان يجب أن يمرّ بمرحلة عصر نفقات جديّة. المسؤولية باتت اليوم على عاتق الهيئة العامة لمجلس النواب بأن تفتح الباب أمام الإصلاح أو استمرار تحكّم النظرة السياسية الضيّقة في المالية العامة».

المسار الدستوري والقانوني

في رأي كنعان، إن إقرار مشروع موازنة 2017 في مجلس النواب سيكون «عملاً تأسيسياً إذا تبعه الانتظام في إقرار الموازنة بدءاً بإعداد وإحالة وإقرار مشروع موازنة 2018 وفق المواعيد المنصوص عليها في الدستور». فهذه الموازنة كان يجب أن تتبع المسار الدستوري والقانوني الآتي:

ــ تنصّ المادة 13 من قانون المحاسبة العمومية على: «أن يضع كل وزير قبل نهاية شهر أيار من السنة مشروعاً بنفقات وزارته عن السنة التالية، ويرسله إلى وزير المال مشفوعاً بالمستندات والإحصاءات والإيضاحات اللازمة لتبرير كل اعتماد من الاعتمادات المطلوبة، وذلك وفقاً لأصول يحددها وزير المال».

كنعان: لجنة المال والموازنة خفضت الاعتمادات بقيمة 1005 مليارات ليرة

ــ تنصّ المادة 17 من قانون المحاسبة العمومية على أن: «على وزير المال تقديم مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء قبل أول أيلول مشفوعاً بتقرير يحلل فيه الاعتمادات المطلوبة، والفروقات الهامة بين أرقام المشروع وبين أرقام موازنة السنة الجارية».

ــ تنصّ المادة 83 من الدستور على أنه: «كل سنة في بدء عقد تشرين الأول، تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً».

ــ تنصّ المادة 86 من الدستور على أنه: «إذا لم يبتّ مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة، وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائياً في مشروع الموازنة، فلمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً، يصدر بناءً عليه عن رئيس الجمهورية مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به إلى المجلس مرعياً ومعمولاً به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الأقل…».

ــ تنصّ المادة 87 من الدستور على: «ان حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة».

تحدّي الحسابات: الحكومة لم تبادر

عملياً، لم يسلك مشروع الموازنة هذا المسار. فلم يبدأ نقاشه في مجلس النواب إلا في مطلع آذار 2017، ثم أحيل إلى مجلس النواب في نيسان، قبل أن تباشر لجنة المال والموازنة درسه وإنهاء مسودة تقريرها خلال هذا الاسبوع… ورغم أهمية الالتزام بهذه المواعيد الدستورية، وانعدام أي منطق في دراسة موازنة تمتد على 12 شهراً مضى منها 9 أشهر، أي إن الإنفاق بات فعلياً قبل الموافقة القانونية عليه، إلا أن ذلك لا يمثّل المشكلة الأكبر التي تعترض إنفاذ قانون موازنة 2017. فعلى فرض إقراره في الهيئة العامة لمجلس النواب، يجب نشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً، ولا يمكن النشر قبل إقرار الحسابات المالية، أي قطوعات الحسابات للسنوات الماضية.

وبحسب كنعان، فإن «مجلس النواب لم يتلقَّ أيّ مشروع قانون للحسابات المالية»، نافياً نيته التقدّم بأي مشروع حلّ قانوني أو دستوري، «فهذا الأمر والمبادرة فيه هو بيد الحكومة. كل الإشارات تقول إنه ليس لديهم قطع حساب بعد، وبالتالي فإن خيار إحالة قطع الحساب ليس أكيداً، فيما بات عليها لزاماً أن تقترح معالجة مناسبة يدرسها مجلس النواب ويأخذ موقفاً منها. إذا وضعنا السياسة جانباً، فلماذا ليس هناك قطع حساب بعد؟ هناك واقع على الأرض ولا ينبغي أن نطوي الصفحة كل 20 سنة لنعود إلى المشكلة نفسها».

على أي حال، يضع مشروع الموازنة «العهد والحكومة أمام تحدٍّ كبير، وأنا أعلم مدى تصميم رئيس الجمهورية على احترام الاصول والدستور والقوانين، ولا سيما في ما خصّ المالية العامة»، وفق كنعان.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى